اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 475
إن
ترد وصلنا فموتك شرط
لا
ينال الوصال من فيه فضله
فما تحقق سير السائرين و رحيلهم إلى المحبوب إلا بمحاربة النفوس و
مجاهدتها و قتلها كما أبان ذلك بقوله:
244- لو لا ميادين النفوس ما تحقّق سير السائرين.
قلت: الميادين جمع ميدان بكسر الميم و بفتحها و به صدّر في القاموس،
و هو مجال الخيل، ثم استعير هنا لمحاربة النفوس و مجاهدتها، فهي تارة تكر عليه
فتظفر به، و تارة يكر عليها فيظفر بها، و في هذا المعنى قال شيخ شوخنا المجذوب رضي
اللّه تعالى عنه:
سايس
من النفس جهدك
و
صبّح و مسّ عليها
لعلّها
تدخل بيدّك
فتعود
تصطاد بيها
فقد بين رضي اللّه تعالى عنه كيفية مجاهدتها، و علّمك الحيلة في
أخذها، و ذلك أن تدخل معها شيئا فشيئا، فتعلمها الصمت وحده، ثم العزلة، ثم تقدمها
للخراب شيئا فشيئا، تقدمها للقليل، فإذا استأنست به زدتها شيئا آخر و هكذا، فأحب
الأعمال إلى اللّه أدومها و إن قلّ، و لا يعلّمها البطالة، فورده من العمل الذي
تموت به لا يتركه، و قد كنت في حالة المجاهدة إذا هممت بترك وردي نادتني هواتف
الأكوان حتى كنت في بعض الأيام تخاطبني الصبيان: يا هذا اليهودي حين نهتم بترك
وردي من السؤال، و قد سمعت مرارا متعددة حين نستعمل خرابا: زد على يدك، و تارة
يقول: زد صف سبيكتك، و تارة نسمع: يا عساس حين يسرقني شيء من الحس، و هكذا، و
كانت مجاهدتي لنفسي كلها سياسة لم أحملها من المرة الأولى إلا ما تطيقه حتى تستأنس
به ثم نزيدها حتى كنا[1] نفعل بها
ما نشاء. قال بعض العارفين: انتهى سير الطالبين إلى الظفر بنفوسهم، فإن ظفروا بها
وصلوا، و ما ذكرته من السياسة للنفس و الاحتيال عليها هو الصواب، قال في المباحث: