responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة    الجزء : 1  صفحة : 474

أنعم عليك أولا بالإيجاد، و ثانيا بالأمداد، و أعطاك كل ما تريد، و ملكك الكون كله تتصرف فيه كما تريد، قال تعالى: وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ‌ [إبراهيم: 34]، خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة: 29]، و قال: فهذا سبب محبة العوام. و أما محبة الخواص: فهي ناشئة عن شهود جماله و بهائه، فغابوا في شهود جماله، و تاهوا في حضرة بهائه، و أنشدوا:

يا ساقي القوم من شذاه‌

الكلّ لما سقيت تاهوا

غابوا و بالسكر فيك طابوا

و صرّحوا بالهوى و فاهوا

فهؤلاء باعوا أرواحهم في طلب مولاهم، ثم استقلوا ما باعوا، و استحيوا مما بذلوا لقلة ما أعطوا في جانب ما طلبوا، و في ذلك يقول سلطان العشاق ابن الفارض رضي اللّه تعالى عنه:

لو أنّ روحي في يدي و وهبتها

لمبشّري بقدومكم لم أنصف‌

ما لي سوى روحي و باذل روحه‌

في حبّ من يهواه ليس بمسرف‌

فلئن رضيت بها فقد أسعفتني‌

يا خيبة المسعى إذا لم تسعف‌

قال الشيخ أبو عبد اللّه القرشي رضي اللّه تعالى عنه: حقيقة المحبة أن تهب كلك لمن أحببته حتى لا يبقى لك منه شي‌ء. و قال أبو يعقوب السوسي: حقيقة المحبة أن ينسى حظه من اللّه، و ينسى حوائجه إليه. و قال الشيخ أبو الحسن رضي اللّه تعالى عنه المحب على الحقيقة من لا سلطان على قلبه لغير محبوبه، و لا مشيئة له مع مشيئته. و قيل: أول ما يقول اللّه للعبد: اطلب العافية و الجنة و الأعمال و غير ذلك، فإن قال لا، ما أريد إلا أنت، قال له: من دخل في هذا معي فإنما يدخل بإسقاط الحظوظ و رفع الحدوث، و إثبات القدم، و ذلك يوجب له العدم، و في معنى ذلك قيل:

من لم يكن بك فانيا عن حظّه‌

و عن الغنى و الأنس بالأحباب‌

فلأنه بين المنازل واقف‌

لمنال حظّ أو لحسن مآب‌

و بالجملة: فأمر المحبة كبير، و بحرها خطير، و في ذلك قالوا: ما خاضوا بحر الرباح حتى خاضوا بحر الخسارة، لا تنال إلا بذبح النفوس، و ترك الفلوس:

اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة    الجزء : 1  صفحة : 474
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست