اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 46
و مثل ذلك كالأمراض و الأوجاع و الشدائد و
الأهوال و كل ما يثقل على النفس و يؤلمها كالفقر و الذل و أذية الخلق و غير ذلك
مما تكرهه النفوس، فكل ما ينزل بك من هذه الأمور فهي نعم كبيرة و مواهب غزيرة تدل
على قوة صدقك إذ بقدر ما يعظم الصدق يعظم التعرف: «أشدّكم بلاء الأنبياء فالأمثل
فالأمثل[1]»، و الصدق
متبوع[2]. و إذا
أراد اللّه أن يطوي مسافة البعد بينه و بين عبده سلط عليه البلاء حتى إذا تخلص و
تحرر صلح للحضرة كما تصفي الفضة و الذهب بالنار لتصلح لخزانة الملك. و ما زالت
الشيوخ و العارفون يفرحون بهذه النوازل و يستعدون لها في كسب المواهب كان شيخ
شيوخنا سيدي على العمراني رضي اللّه تعالى عنه يسميها ليلة القدر و يقول: كل
الخيرة هي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر و ذلك لأجل ما يجتنيه العبد منها من
أعمال القلوب التي الذرة منها أفضل من أمثال الجبال من أعمال الجوارح.
و قد قلت في ذلك بيتين و هما:
إذا
طرقت بابي من الدّهر فاقة
فتحت
لها باب المسرّة و البشر
و
قلت لها أهلا و سهلا و مرحبا
فوقتك
عندي أحظى من ليلة القدر
و اعلم أن هذه التعرفات الجلالية هي اختبار من الحق، و معيار للناس.
و بها تعرف الفضة و الذهب من النحاس. فكثير من المدعين يظهرون على ألسنتهم المعرفة
و اليقين، فإذا وردت عليهم عواصف رياح الأقدار ألقتهم في مهاوي القنوط و الإنكار:
من ادعى ما ليس فيه فضحته شواهد الامتحان. و كان شيخ شيخنا مولاي العربي رضي اللّه
تعالى عنه يقول: العجب كل العجب ممن يطلب معرفة اللّه و يحرص عليها فإذا تعرف له
الحق تعالى هرب منه و أنكره.
و قال شيخنا البوزيدي رضي اللّه تعالى عنه: هذه التعرفات الجلالية
على
[1] - رواه البخاري( 5/ 2139)، و النسائي في الكبرى( 4/
352).