اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 424
و كان عبدا له حقيقة، و إذا أقبل على هواه
أعرض قطعا عن مولاه و كان عبدا لسواه، و الحق سبحانه لا يرضى لعبده أن يكون عبدا
لغيره؛ قال تعالى في ذم من كان عبدا لهواه: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ
اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى
سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ
بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية: 23]، فالآية نص في ذم من أحب هواه و
اتخذ ربّا من دون مولاه، و أما تفسير أهل الباطن: فهو إشارة لا تفسير معنى، و في
الحديث: «إن للقرآن ظاهرا و باطنا و حدّا و مطلعا». فقد ورد عن شيخ شيوخنا سيدي
محمد بن عبد اللّه في إشارة هذه الآية أنه يمكن أن يكون مدحا، و معناه حينئذ
أفرأيت من اتخذ إلهه الذي خلقه هواه لا يحب سواه و أضله في محبته على علم و بينة
من ربه، و ختم على سمعه و قلبه بمحبته، و جعل على بصره غشاوة، تمنعه من النظر لما
سواه، فمن يهديه هذه الهداية العظمى من بعد اللّه؟ لا هادي له سواه، و هذا في ظاهر
العبارة خارج عن سياق ظاهر الآية، لكنه باطنها و لا يصح تفسير الآية به. و اعلم أن
تفسير هذه الطائفة لكلام اللّه و كلام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم على
غير المعنى المعهود، ليس هو عندهم عين المعنى المراد، و لكنهم يقررون الآية و
الحديث على ما يعطيه اللفظ ثم يفهمون إشارات و دقائق و أسرارا خارجة عن مقتضى
الظاهر، خصهم اللّه بها لصفاء أسرارهم، و هكذا ذكر المؤلف في لطائفه. ثم نرجع إلى
ما كنا فيه من طلب العبودية للّه، و الحرية مما سواه، قال صلى اللّه عليه و آله و
سلم: «تعس عبد الدينار و الدرهم و القطيفة[1]»
زاد في رواية: «و الزوجة، تعس و انتكس، و إذا شيك فلا انتقش[2]».
و قيل للجنيد: من العبد؟ قال: من بقي في قلبه أدنى علاقة غير اللّه، لأن المكاتب
عبد ما بقي عليه درهم، قيل له: و من الحر؟ قال:
من تخلص من رق طبعه، و استنقذ قلبه من شهوات نفسه، و كان للشبلي
تلميذ فكساه رجل يوما جبة و كان على رأس الشبلي قلنسوة فخطر على قلب التلميذ محبة
القلنسوة ليجمعها مع الجبة، فكاشفه الشيخ فأزال له الجبة و جمعها مع القلنسوة و
رمى بهما في النار، و قال له: لا تبق في قلبك التفاتا لغير اللّه، و أنكر عليه بعض
أهل الظاهر المتجمدين على ظاهر الشريعة جهلا