اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 399
191- ربّما استحيى العارف أن يرفع حاجته
إلى مولاه اكتفاء بمشيئته، فكيف لا يستحيي أن يرفعها إلى خليقته؟.
قلت: العارف هو الذي بلغ من التقرب و القرب حتى امتحق عن نفسه
بالكلية و زالت عنه الأينية و الغيرية، بحيث لم يبق له عن نفسه إخبار، و لا مع غير
مولاه قرار، فإذا أراد أن يسأل عبودية استحيى من مولاه أن يثبت معه سواه، اكتفاء
بمشيئته، و تحقيقا لأحديته، فإذا كان يستحيي من مولاه أن يرفع حوائجه إليه فكيف لا
يستحيي منه أن يرفعها إلى غيره؟ فلا جرم أن الحق سبحانه يعطيه أفضل ما يعطي
السائلين، و بيوئه في مقعد صدق مع النبيين و الصديقين، و قد تقدم الحديث: «من شغله
ذكري[1]» إلخ. قال
سهل بن عبد اللّه: ما من وقت إلا و اللّه تعالى مطّلع فيه على قلوب عباده، فأي قلب
رأى فيه حاجة إلى سواه سلط عليه الشيطان و حجبه عنه انتهى. و قيل للواسطي: لم لا
تسأل اللّه شيئا؟ فقال: أخشى أن يقال لي: إن سألتنا الذي لك عندنا فقد اتهمتنا، و
إن سألتنا ما ليس لك عندنا فقد أسأت الأدب معنا، و إن سلّمت الأمر لنا و نظرت
بنظرنا أجرينا لك الأمور على مقتضى الموافقة انتهى. هذا آخر الباب الموفى عشرين. و
حاصلها: الكلام على الكرامات و بيان ما ينشأ عنها من العبارات، لأن الكرامات
الحقيقية هي الاستقامة على العبودية و مشاهدة أنوار الربوبية، فإذا تحقق ذلك في
الولي فاض بالحكم و أذن له في التعبير، فحينئذ ربما يقبل عليه الخلق بالعطاء، فإذا
عرف فيهم مولاه حل له الأخذ من أيديهم، و إلا فلا. و أما السؤال منهم لقوت البشرية
فلا يتصور من العارفين، استحياء من اللّه، و اكتفاء بعلمه و مشيئته، هذا مقام
الواصلين، و أما السائرون فهم عاملون على مجاهدة نفوسهم، فإن ثقل عليها السؤال
قدموها إليه، و إن ثقل عليها الفاقة و الصبر و الاكتفاء بالمشيئة و العلم قدموه،
كما بيّن ذلك الشيخ رضي اللّه تعالى عنه في أول الباب الحادي و العشرين بقوله رضي
اللّه تعالى عنه: