اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 39
و التدبير المحمود، هو الذي يؤديك إلى القرب
من اللّه و يوصلك إلى مرضاة اللّه .. إلخ. انظر بقية كلامه فهذا تحرير ما ظهر لي
في شأن التدبير و قد ألف الشيخ رضي اللّه تعالى عنه فيه كتابا سماه «التنوير في
إسقاط التدبير» أحسن فيه و أجاد و مرجعه إلى ما ذكرنا و اللّه تعالى أعلم. و لما
كمله اطلع عليه الولي الكامل سيدي ياقوت العرشي، فلما طالعه قال له: جميع ما قلت
مجموع في بيتين و هما هاذان:
ما
ثمّ إلا ما أراد
فاترك
همومك و انطرح
و
اترك شواغلك التي
شغلت
بها تسترح
و لما كان الانهماك في التدبير و الاختيار يدل على انطماس البصيرة و
تركهما أو فعلهما باللّه يدل على فتح البصيرة، ذكر علامة أخرى أظهر و أشهر منهما
على فتح البصيرة أو طمسها فقال:
5- اجتهادك فيما ضمن لك، و تقصيرك فيما طلب منك دليل على انطماس
البصيرة منك.
قلت: الاجتهاد في الشيء استفراغ الجهد و الطاقة في طلبه، و التقصير
هو التفريط و التضييع و البصيرة ناظر القلب كما أن البصر ناظر القالب، فالبصيرة لا
ترى إلا المعاني و البصر لا يرى إلا المحسوسات، أو تقول البصيرة لا ترى إلا
اللطيف، و البصر لا يرى إلا الكثيف، أو تقول البصيرة لا ترى إلا القديم و البصر لا
يرى إلا الحادث، أو تقول البصيرة لا ترى إلا المكون، و البصر لا يرى إلا الكون،
فإذا أراد اللّه فتح بصيرة العبد أشغله في الظاهر بخدمته و في الباطن بمحبته،
فكلما عظمت المحبة في الباطن و الخدمة في الظاهر قوي نور البصيرة حتى يستولى على
البصر، فيغيب نور البصر في نور البصيرة فلا يرى إلا ما تراه البصيرة من المعاني
اللطيفة و الأنوار القديمة و هذا معنى قول شيخ شيوخنا المجذوب:
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 39