اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 363
قلت: العطاء السابق هو ما تعلق به علمه
القديم قبل أن تظهر تجليات الأكوان، و لا شك أن اللّه سبحانه قدر في الأزل ما كان
و ما يكون إلى أبد الأبد، فقد قسّم الأرزاق الحسية و المعنوية، و قدّر الآجال، قال
تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ
[القمر: 49]، و قال تعالى: وَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ
بِمِقْدارٍ [الرعد: 8]،
وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ
لا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف: 34] و قال:
وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ
[فاطر: 11] و قال تعالى: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ
إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا [آل
عمران: 145]. فإذا علمت أيها الإنسان أن القضاء و القدر قد سبق برزقك و أجلك، و
أنه قد سبقت قسمتك وجودك، فماذا تطلب؟ و إذا طلبت، فكيف يكون طلبك اللاحق سببا في
عطائه السابق؟ إذ قد سبق منه العطاء قبل أن يكون منك الطلب، جل:
أي عظم و تعالى حكم الأزل القديم أن يضاف إلى العلل و الأسباب
الحادثة، إذ محال أن يتقدم الحادث على القديم، لا وجودا و لا حكما. قال ذو النون
المصري رضي اللّه تعالى عنه:
التوحيد أن يعلم أن قدرة اللّه في الأشياء بلا علاج، و صنعه لها بلا
مزاج، و علة كل شيء صنعه، و لا علة لصنعه، و ليس في السموات العليا و لا في
الأرضين السفلى مدبر غير اللّه، و كل ما يخطر ببالك فاللّه مخالف لذلك انتهى.
قوله: و علة كل شيء: الضمير في صنعه يعود على الحق تعالى: أي و علة كل شيء صنع
الحق له، يعني أن سبب وجود الأشياء و ظهورها هو صنع الحق لها و صنع الحق لا علة
له. و قال بعضهم: ليس في الإمكان أبدع مما كان: أي باعتبار العلم و المشيئة لا
باعتبار القدرة، فالمراد بما كان القدر و القضاء السابق، فما كونته القدرة و
أظهرته لا يمكن أن يكون أبدع منه من حيث تعلق العلم القديم، فلا يمكن تخلفه و إن
كان العقل يجوز أن يخلق اللّه تعالى أبدع منه، و القدرة صالحة، و لكن لما سبق به
العلم و نفذ به القضاء لم يكن أبدع منه. أو تقول: ليس في عالم الإمكان أبدع مما
كان ظهر في عالم الإمكان و هو عالم الشهادة إلا ما كان في عالم الغيب من المعاني
القديمة، و لم يظهر أبدع منه، و لن يظهر أبدا، فافهم فالكلام صحيح على هذا الوجه،
و اللّه تعالى أعلم. و مما يدلك على أن طلبك ليس سببا في عطائه لك وجود عنايته بك
قبل ظهورك الذي أشار إليه بقوله:
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 363