اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 358
و فضيحة، فليعرف قدره، و لا يتعد طوره، و
باللّه التوفيق. و لما كانت المعرفة تقتضي ظهور الحق في كل شيء حتى تراه ظاهرا في
كل شيء بين وجه احتجابه و خفائه، فقال:
164- إنّما حجب الحقّ عنك شدة قربه منك.
165- و إنما احتجب لشدة ظهوره و خفي عن الأبصار لعظيم نوره.
قلت: ذكر في حكمة خفائه تعالى مع شدة ظهوره ثلاث حكم: الحكمة الأولى:
شدة القرب، و لا شك أن شدة القرب توجب الخفاء كسواد العين من الإنسان، فإن الإنسان
لا يدرك سواد عينه لشدة قربه منه، و اللّه تعالى أقرب إليك من كل شيء قال تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ
بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16]، فشدة قربه منك موجب لاضمحلالك. قال في لطائف المنن: فعظيم
القرب هو الذي غيب عنك شهود القرب. قال الشيخ أبو الحسن رضي اللّه تعالى عنه:
حقيقة القرب أن تغيب في القرب عن القرب لعظيم القرب، كمن يشم رائحة المسك فلا يزال
يدنو، و كلما دنا منها تزايد ريحها، فلما دخل البيت الذي فيه المسك انقطعت رائحته
عنه، و أنشد بعض العارفين:
كم
ذا تموّه بالشّعبين و العلم
و
الأمر أوضح من نار على علم
أراك
تسأل عن نجد و أنت بها
و
عن تهامة هذا فعل متّهم
الحكمة الثانية: في خفائه تعالى شدة ظهوره، و لا شك أن شدة الظهور
موجب للخفاء، كما قال صاحب «الهمزية»: و من شدة الظهور الخفاء و قد مثلوا ذلك بقرص
الشمس حين يعظم شعاعه و يتقوى إشراقه، فإن الأبصار الضعيفة لا تقوى على مشاهدته مع
شدة ظهوره، فصار شدة الظهور موجبا للخفاء، كما قال الشاعر:
و
ما احتجبت إلا برفع حجابها
و
من عجب أن الظهور تستّر
فاحتجب عن الأبصار الضعيفة بلا حجاب.
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 358