اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 349
أصل المعاصي، فكان اطلاعه حينئذ على أسرار
العباد سببا في جر هذا الوبال: أي العقوبة إليه، و هو التكبر على الناس، و اعتقاد
المزية عليهم، و هو سبب البعد عن اللّه، بخلاف ما إذا تمكن في معرفة الحق، و تخلق
بأخلاقه، و تحقق بمعاني صفاته و أسمائه، فإنه يكون على خلق الرحمن، فإذا اطلع على
معاصي العباد و مساوئهم رحمهم و سترهم و حلم عليهم، و قد قال 7: «الخلق
عيال اللّه، و أقربكم إلى اللّه أرحمكم بعياله[1]»،
و قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض
يرحمكم من في السماء[2]»، و في الإشارات
عن اللّه سبحانه: «عبدي إن استخلفتك شققت لك من الرحمانيّة شقّا، فكنت أرحم من
المرء بنفسه[3]». و روي
أن إبراهيم 7 حدث نفسه أنه أرحم الخلق، فرفعه اللّه حتى أشرف على أهل
الأرض فأبصر أعمالهم و ما يفعلون، فقال: يا رب دمر عليهم، فقال له اللّه تعالى:
«أنا أرحم بعبادي منك يا إبراهيم، فلعلهم يتوبون و يرجعون»، و في بعض التفاسير أنه
كان يعرج كل ليلة إلى السماء، و هو قوله تعالى:
وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ
[الأنعام: 75]، فعرج به ذات ليلة فاطلع على مذنب على فاحشة، فقال: اللهم أهلكه،
يأكل رزقك و يمشي على أرضك و يخالف أمرك، فأهلكه اللّه تعالى، فاطلع على آخر،
فقال: اللهم أهلكه فنودي: كف عن عبادي، رويدا رويدا فإني طالما رأيتهم عاصين، و في
رواية أخرى فأوحى اللّه إليه: «يا إبراهيم أين رحمتك للخلق؟ أنا أرحم بعبادي منك،
إما يتوبون فأتوب عليهم، و إما أن أخرج من أصلابهم من يسبحني و يقدسني، و إما أن
يبعثوا في مشيئتي، فأعفو أو أعاقب، يا إبراهيم كفّر ذنبك في دعوتك بدم قربان، فنحر
إبلا، فنودي في الليلة الثانية: كفّر ذنبك بدم فذبح بقرا، فقيل له في الثالثة،
فذبح غنما، فقيل له في الرابعة كذلك، فقرب من الأنعام إلى اللّه ما بقي عنده، فقيل
له في الخامسة، فقال: يا رب لم يبق لي شيء، فقيل له: إنما
[1] - رواه ابن حبان في المجروحين( 2/ 238)، و الطبراني
في الأوسط( 5/ 356)، و أبو يعلى في مسنده( 6/ 65)، و ابن عدي في الكامل( 5/ 162)،
و الشاشي في مسنده( 1/ 419).
[2] - رواه أبو داود( 4/ 285)، و الترمذي( 4/ 323)، و
أحمد في المسند( 2/ 160)