اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 348
يأتي، و قد يكون ذلك لمن لا استقامة له أصلا
كالكهان و السحرة و غيرهم. و الغالب أن أهل شهود الملكوت يحجبون عن مكاشفة أسرار
العباد، لاشتغالهم بما هو أعظم و أحظى عند اللّه، و إنما تكون هذه المكاشفات عند
العباد و الزهاد و أهل الرياضيات و المجاهدات، و لا تنكر أن تكون عند العارفين،
فقد تجتمع لهم المكاشفة و الكشف: أي مكاشفة أسرار العباد، و كشف الحجاب عن الفؤاد،
إلا أن الغالب هو استغراق الروح في شهود نور الملكوت، دون الاستشراف إلى أسرار
العباد، التي هي من عالم الملك. و قد كان الشيخ أبو يعزى رضي اللّه تعالى عنه
يطّلع على سرائر الناس و يفضحهم، فكتب إليه شيخه أبو شعيب أيوب المعروف بالسارية
من أزمور يحذره من ذلك و ينهاه عن هتك أستار المسلمين، فكتب له الشيخ أبو يعزى رضي
اللّه تعالى عنه يجيبه: ليس هذا من قدرة البشر أن يسع أحد معرفة أسرار العباد و
إخراج عيوبهم من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، و إنما هو شيء يلقى إليّ، و يقال
لي: قل و اسمع الخطاب أنت آية من آيات اللّه، و المراد منك أن يتوب الخلق على يديك
فتأخذني غلبة، و تستولى علي ملكة لا أقدر معها عن الكف عن القول انتهى. و كان
الشيخ أبو عبد اللّه التاودي يقول: ما قطعه الشيخ أبو يعزى في ستة عشر سنة قطعته
أنا في أربعين يوما، و لم يشم لطريقتنا هذه غبارا، و اللّه تعالى أعلم. و كلهم
أولياء اللّه نفعنا اللّه بذكرهم، و ليس قصدنا تنقيص أحد منهم، و إنما مرادنا أن
طريق المكاشفة ليس هي النهاية، بل قال بعضهم: هي البداية، و باللّه التوفيق. و قد
تكون و بالا في حق المريد كما أبان ذلك بقوله:
158- من اطّلع على أسرار العباد و لم يتخلق بالرحمة الإلهية كان
اطّلاعه فتنة عليه، و سببا لجرّ الوبال إليه.
قلت: الاطلاع على أسرار العباد قبل التمكن في الشهود، و التخلق
بأخلاق الملك المعبود فتنة عظيمة و بلية و مصيبة، و ذلك لأنه قبل التمكين في المعرفة
قد يشتغل بذلك قلبه، و يتشوش خاطره و لبه، فيفتره عن الشهود، و يفتنه عن الرسوخ في
معرفة الملك الودود، و أيضا ما دامت النفس حية و لم يقع الفناء عنها قد يعتقد بذلك
المزية على الناس فيدخله الكبر و العجب و هما
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 348