اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 273
الشيخ أبي الحسن رضي اللّه تعالى عنه في
حزبه الكبير: عز الدنيا بالإيمان و المعرفة، و عز الآخرة باللقاء و المشاهدة اه،
هذا باعتبار الخواص. و أما العوام فلا يرون إلا الحس في هذه الدار و في تلك الدار.
و أما الرؤية التي تحصل لهم يوم المزيد فيحتمل أن يظهر لهم نورا من أنوار قدسه، و
يلهمهم المعرفة فيه، و هو ظاهر الحديث، أو يفنيهم عن حسهم في ذلك الوقت حتى يشهدوا
معاني الذات و يتلذذوا برؤيتها ثم يردهم إلى حسهم. و الحاصل: أن تجلي الذات على
قسمين:
قسم: يكون بوسائط كثيفة، ظاهرها ظلمة و باطنها نور، ظاهرها حكمة و
باطنها قدرة، ظاهرها حس و باطنها معنى، و هو تجلي هذه الدار. و قسم: يكون بوسائط
لطيفة نورانية، ظاهرها نور و باطنها نور، ظاهرها قدرة و باطنها حكمة، ظاهرها معنى
و باطنها حس، و هو تجلي دار الآخرة. فالعارفون لما حصل لهم الشهود و المعرفة في
هذه الدار، و في تلك الدار لا يحجبهم عن اللّه حور و لا قصور؛ بل دائما في النظرة
و السرور و النضرة و الحبور، و ذلك أنهم لما عرفهم به هنا لم يحجبهم هنالك، يموت
المرء على ما عاش عليه و يبعث على ما مات عليه، بخلاف العامة فإنهم لما حجبهم هنا
بشهود أنفسهم انحجبوا هناك عن رؤية معبودهم إلا في وقت مخصوص على وجه مخصوص، و
لذلك كتب ابن العربي الحاتمي إلى الإمام الرازي فقال له: تعال نعرفك باللّه اليوم
قبل أن تموت، فإذا تجلى اللّه لعباده أنكرته و لم تعرفه. و سئل الشيخ أبو محمد عبد
القادر الجيلاني رضي اللّه تعالى عنه، عن رجل يدعي أنه يرى اللّه ببصره فاستدعاه
فسأله عن ذلك، فقال: نعم. فانتهره و نهاه عن هذا القول، ثم قيل له: أمحق هو أم
مبطل؟
فقال: هو محق ملبّس عليه. و ذلك أنه شهد ببصيرته نور الجمال، ثم خرق
من بصيرته إلى بصره فنفذ، فرأى بصره بصيرته، و بصيرته يتصل شعاعها بنور شهوده، فظن
أن بصره رأى ما شاهدته بصيرته، و إنما رأى بصره بصيرته فحسب انتهى.
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 273