اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 184
شرائع المسلمين، و هم العلماء و الصلحاء، و
منهم من أقامه الحق لنصرة الدين و إعلاء كلماته، و هم المجاهدون في سبيل رب
العالمين، و منهم من أقامه الحق لتمهيد البلاد و تسكين العباد، و هم الأمراء و
السلاطين. و قسم: أقامهم الحق لمحبته و اختصهم بمعرفته، و هم العارفون الكاملون
سلكوا سواء الطريق و وصلوا إلى عين التحقيق، و بينهما فرق كبير لأن أهل الخدمة
طالبون الأجور، و أهل المحبة رفعت عنهم الستور، أهل الخدمة يأخذون أجورهم وراء
الباب، و أهل المحبة في مناجاة الأحباب، أهل الخدمة مسدول بينهم و بينه الحجاب، و
أهل المحبة مرفوع بينهم و بينه الحجاب، أهل الخدمة من أهل الدليل و البرهان، و أهل
المحبة من أهل الشهود و العيان، أهل الخدمة لا تنفك عنهم الحظوظ، و أهل المحبة تصب
عليهم الحظوظ، أهل الخدمة محبتهم مقسومة، و أهل المحبة محبتهم مجموعة، فلذلك دام
أهل الخدمة في خدمتهم، و نفذ المحبون إلى شهود محبوبهم، فلو تركوا الحظوظ و حصروا
محبتهم في محبوب واحد لنفذوا إلى محبوبهم و شهدوه ببصر إيقانهم و استراحوا من تعب
خدمتهم، و لكن حكمة الحكيم أقامتهم في خدمتهم فوجب تعظيمهم في الجملة، و لا يلزم
منه عدم تفضيل أهل المعرفة و المحبة عليهم، انظر كيف قال تعالى بعد ذلك: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ
أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلًا [الإسراء: 21]، فدل على
تفضيل بعضهم على بعض، لكن عبيد الملك كلهم معظّمون في الجملة، و لا يحب الملك أن
نحقر له عبدا من عباده و إن كانوا متفاوتين عنده، و اللّه تعالى أعلم. و قال أبو
يزيد رضي اللّه تعالى عنه: اطّلع اللّه على قلوب أوليائه، فمنهم من لم يصلح لحمل
المعرفة صرفا فشغلهم بالعبادة. و قال أبو العباس الدينوري رضي اللّه تعالى عنه: إن
للّه عبادا لم يستصلحهم لمعرفته، فشغلهم بخدمته، و له عباد لم يستصلحهم لخدمته
فأهلهم لمحبته. و قال يحيى بن معاذ رضي اللّه تعالى عنه: الزاهد صيد الحق من
الدنيا، و العارف صيد الحق من الجنة انتهى.
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 184