اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 154
و الحقيقة. فنور الشريعة يكشف: ظلمة البطالة
و التقصير و يظهر نور المجاهدة و التشمير، فتحكم البصيرة بقبح البطالة و حسن
المجاهدة، فيقبل القلب على مجاهدة الجوارح في طاعة مولاه، و يدبر عن متابعة حظوظه
و هواه، و نور الطريقة يكشف: ظلمة المساوئ و العيوب، و يظهر بهجة الصفاء، و ما
يثمره من علم الغيوب، فتحكم البصيرة بقبح العيوب و حسن الصفاء و علم الغيوب، فيقبل
القلب على ما يوجب التصفية، و يدبر عما يمنعه من التخلية و التحلية.
و نور الحقيقة يكشف: ظلمة الحجاب و يظهر له محاسن الأحباب، أو تقول:
نور الحقيقة يكشف له ظلمة الأكوان و يظهر نور الشهود و العيان، فيقبل
القلب على مشاهدة الأحباب داخل الحجاب، و يدبر عما يقطعه عن الأدب مع الأحباب،
جعلنا اللّه معهم على الدوام في هذه الدار و في دار السلام آمين.
و لما كان أصل كل نور و سر و خير هو طاعة اللّه، و أصل كل ظلمة و
حجاب و بعد هو معصية اللّه، و من علامة حياة القلب: فرحه بالطاعة و حزنه على صدور
المعصية، نبّهك الشيخ على وجه الفرح بالطاعة التي هي سبب نور القلوب، و مفاتيح
الغيوب، فقال:
58- لا تفرحك الطّاعة لأنها برزت منك، و افرح بها لأنها برزت من
اللّه إليك قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ
فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
[يونس: 58].
قلت: قد تقدم في الحديث: «من سرّته حسناته، و ساءته سيئاته فهو مؤمن»
و الناس في الفرح بالطاعة على ثلاثة أقسام: قسم: فرحوا بها لما يرجون عليها من
النعيم و يدفعون بها من عذابه الأليم، فهم يرون صدورها من أنفسهم لأنفسهم لم يتبرءوا
فيها من حولهم و قوتهم، و هم من أهل قوله تعالى:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة: 5]. و قسم: فرحوا بها من حيث إنها عنوان الرضا و القبول،
و سبب في القرب و الوصول، فهي هدايا من الملك الكريم، و مطايا تحملهم إلى حضرة
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 154