اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 119
الرسوخ و التمكين لأهل المكالمة أو تقول:
شعاع البصيرة نور علم اليقين، و عين البصيرة هو نور عين اليقين، و حق البصيرة هو
نور حق اليقين، فعلم اليقين لأهل الدليل و البرهان، و عين اليقين لأهل الكشف و
البيان، و حق اليقين لأهل الشهود و العيان. مثال ذلك كمن سمع بمكة مثلا و لم يرها،
فهذا عنده علم اليقين، فإذا استشرف عليها ورآها و لم يدخلها فهو عين اليقين، فإذا
دخلها و تمكن فيها فهو حق اليقين، و كذلك طالب الحق فما دام من وراء الحجاب فانيا
في الأعمال، فهو في علم اليقين، فإذا استشرف على الفناء في الذات، و لم يتمكن من
الفناء فهو عين اليقين، فإذا رسخ و تمكن فهو في حق اليقين، أو تقول: شعاع البصيرة
لأهل عالم الملك، و عين البصيرة لأهل عالم الملكوت، و حق البصيرة لأهل عالم
الجبروت، أو تقول: شعاع البصيرة لأهل الفناء في الأعمال، و عين البصيرة لأهل
الفناء في الذات، و حق البصيرة لأهل الفناء في الفناء[1].
فشعاع البصيرة يشهدك قرب الحق منك، أي يوجب لك شهود قرب نور الحق
منك: قال تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ
بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16]، و قال تعالى: وَ هُوَ مَعَكُمْ
أَيْنَ ما كُنْتُمْ [الحديد: 4]. و عين البصيرة يشهدك عدمك
أي زوالك بزوال وهمك لوجوده أي وجود الحق إذ محال أن تشهده و تشهد معه سواه، فإذا
زال عنك الوهم، و فنيت عن وجودك شهدت ربك بربك، و هو علامة فتح البصيرة و علاج
السريرة، كما قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن المجذوب:
من
رأى المكوّن بالكون
عزّه
في عمى البصيرة
و
من رأى الكون بالمكوّن
صادف
علاج السّريرة
[1] - و أغلب الصوفية يجعلونها ثلاث مراتب هي بعبارة
أخرى توحيد الأفعال و توحيد الصفات و توحيد الذات. و فناء الفناء على هذا من
مشتملات مقام الفناء في الذات، فلا يفرد بقسم خاص، و اللّه أعلم.
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 119