الشمال و حال المدينة الموضوعة قبالة الجنوب
حال واحدة بعينها و لا حال المدينة الموضوعة قبالة الشمس وقت غروبها حالة واحدة
بعينها. و قال ايضا: ينظر في امر الأرض هل هي مكشوفة من الشجر عديمة المياه ام
كثيرة الشجر كثيرة المياه و هل هي في موضع عميق نديّ (هذه) ام هي في موضع مشرف فهي
باردة. و ليس يخفى عمن أحسن التفقد لما قاله بقراط في هذين الفصلين انه قد بين
فيهما اسباب تغاير البلدان و هي تأثير الشمس في تلك المدينة مقابلتها لشروقها
عليها و غروبها و الثاني هبوب الرياح عليها و الاشبه ان يكون انما ذكر الرياح
الشمالية و الجنوبية لقوة تأثيرها في البلدان الموضوعة قبالتها و اكثر من تأثيرها
الشرقية و الغربية في بلدان المقابلة لها اذ كان تأثير الشمس في هاتين الجهتين هي
الأغلب و الأظهر و طبيعة الريح الهابة من المشرق و هي مؤثرة ايضا في البلدان
الشرقية من جنس ما تؤثره الشمس و كذلك طبيعة الريح الغربية ايضا فانما عدل بقراط
الى السبب الأول في تغير امزجة البلدان الشرقية و الغربية و الى العلة الاقوى ثم
انه لما كانت البلدان قد تعرض من انكشافها و قلة الأشجار فيها و السواتر لما يمرّ
بها من الرياح و حرّ الشمس ما يوجب لها قبول التأثير اكثر مما تقبلها من ذلك اذا
سترتها الاشجار، و جعل ذلك سببا ثالثا، و كذلك حال كثرة المياه و قلتها، و كذلك
يعرض للبلدان من جهة ارتفاعها في العلو و وضعها على الجبال العالية، و من جهة
انخفاضها و وضعها في مواضع مستقلة عميقة ان يختلف كذلك قبولها لحرّ الشمس و يبسها
و لتأثير الرياح بحسب امزجتها فيها و لذلك تختلف صور سكان المدن و اخلاقهم و
افعالهم و اكثر حالاتهم كما بين ذلك بقراط فقال: و في بلاد اوروقي أمم يخالف بعضها
بعضا في مقادير الجثث و في الصور و في الشجاعة، و الاشياء التي تغير هذه الأمور
التي قلناها فيما تقدم.
قال و انا اشرح ذلك شرحا ابين من هذا فأقول: ان من كان مأواه في بلد
جبلي مشرف كثير المياه و تغاير الاوقات تكون عندهم (مختلفة) اختلافا كثيرا فيجب ان
تكون جثثهم جثث عظام، و تكون مستعدة للكدّ و الشجاعة السبعية في أصحاب هذه الطبائع
اكثر منها في غيرهم، و اما الذين يسكنون في مواضع عميقة مرحبة و (هنة) و تهب عندهم
من الأرياح الحارة اكثر مما يهب عندهم من الرياح الباردة، و يستعملون مياها حارة
فان جثثهم لا تكون عظيمة و لا معتضدة و لكنها تكون أحد عرضا و يكون اللحم فيها
كثير و تكون شعورهم سوداء و يكون ايضا الأغلب على الوانهم الأدمة اكثر من البياض و
يكون غلبة