و عليه واجبة. اذ الطبيب حاكم في النفوس، و
الأجسام، و لا يشك أحد في ان النفوس و الابدان أشرف من الأموال، فلذلك ينبغي
للطبيب ان يأخذ نفسه بالآداب و العلوم النافعة له في صناعة الطب، و بغير شك ان من
لم يحطّ بما يذكره و اطرحه سيخجله ان كان له أدنى حس و أن يكون له مع الحس يسيرا
من العقل، فانه سيستحي من اللّه جل ذكره الذي أنعم على الناس بصناعة الطب و منح
بها أفاضل يستحقون تعلمها و يخافونه و يرهبونه قبل الإقدام على عملها فضلا عن
العمل بها، و سيرى هذا المجترئ على أهلها، أن مزاحمته لهم و دخوله بينهم بغير نصيب
منها قبيح جدا، فإن بعثه خجله على تأديب نفسه و إصلاح أخلاقه، ثم قصد أهلها بلطف و
أدب و حسن مسائلة[1] فتعلم منهم
و خدم بين ايديهم في اعمالها أمكنه حينئذ اجتماع العلم و العمل أن يحفظ صحة
الأصحاء، و ان يعالج المرضى و لعل بعض الحيلة ان يظن ان خدمته لطبيب ما مدة من
الزمان في ذكائه، و معرفته ببعض الأدوية المفردة و المركبة او الفصد، و ما ماثله
من أعمال هذه الصناعة، و أخذه لذلك و يعرفه له من كناش[2]
او أقر باذين[3] قد كفاه و
أغناه عن قراءة كتب صناعة الطب و يعرف أصولها و قوانينها فليس ذلك الإسوء حظ له و
لمن يدبره لأن ما علمه مما ذكرناه ان لم يعلم أين يضعه من الجسم و فيمن يجب
استعماله و متى و أين من الأماكن، و بأي الحالات و المقادير كان الى ان يمرض
الأصحاء و يقتل المرضى أقرب من أن يحفظ الأصحاء و يشفي المرضى.
فعلى جميع الوجوه و الأسباب يجب ان أسارع الى أجابتك فيما سألته و
اللّه بكرمه المعين على جميع الخيرات، و بعدما قدمته أقول: أن أول ما يلزم الطبيب
اعتقاده صحة الأمانة، و أول الأمانة اعتقاده أن لكل مكوّن مخلوق خالقا مكوّنا
واحدا قادرا حكيما فاعلا لجميع المفعولات بقصد، محي مميت ممرض مشفي[4]. أنعم على الخلائق منذ ابتداء
خلقهم
[2] الكناش، او الكناشة و جمعها كنانيش و هو في
الاصل دفترا يسجل فيه الوارد و الصادر، ثم استعمل هذا المصطلح في الطب عنوانا
للمؤلفات الموسوعية، و الكلمة سريانية.
[3] اقرباذين او قراباذين و جمعها اقرباذينات، و
هو تعبير يوناني يعني الادوية المركبة او دستور الادوية او تركيب الادوية المفردة.
و قد استعملها السريان باسم جرافادين عن اليونانية اگرپياتبون و تقابلها
باللاتينية( ماتيرياماديكا).