- الباب الأول- في الأمانة و الاعتقاد
الذي ينبغي أن يكون الطبيب عليه و الآداب التي يصلح بها نفسه و أخلاقه
أما بعد الحمد لمن لا تبلغ الألسن غاية حمده، و لا تنال العقول نهاية
مجده، فأنني لما فكرت في مسألتك[1] أيها
الحبيب أسعدك اللّه بدرك الحق و أنا لك طرقه، وجدت الجواب عنها يقتضي أغراضا
كبيرة، و تلابس معاني[2] جليلة عظيم
نفعها لجميع من يرتسم بصناعة الطب و أحبّ تعلمها لما يرسم في نفسه من الآداب
العقلية و الوصايا الطبية التي قد اجتهدت في جمعها من مقالات القدماء و آداب
الأفاضل. و أيضا فان نفعها عام شامل لسائر الناس ممن له عقل و تحصيل لما يربه من
فضيلة أدبه إن كان ذا أدب، و لما يبعثه و يحثه على التأدب، إن كان محبا للأدب، أو
لما يخجله و يعرفه دناءة نفسه بين اهل العلم و الأدب ان كان عادلا عن محبة الأدب و
خاصة ان كان ممن قد نصب نفسه قاضيا على النفوس، و حاكما على الأجسام و يتولى طبّها
و تدابيرها، فان الحاصل على الخصال اللائقة بالحاكم هي او اكثرها لائقة بالطبيب
أيضا، و قد قال ارسطو طاليس[3] تفقد من
الحاكم أربع خصال آن يكون حسيبا، و أن يكون عالما، و أن يكون ورعا، و ان يكون غير
عجول. و قال ان الحاكم يزيّن الحكم و هو يوحشه، و اذا نقلت هذه الأقاويل الى
الطبيب وجدتها به لائقة،
[3] ارسطو طاليس. و يسميه العرب ارسطو اختصارا، و
هو مقدوني الاصل، درس على افلاطون و صار اشهر فلاسفة اليونان عند العرب. و كانت
وفاته سنة 322 ق. م بعمر 62 سنة و له مؤلفات كثيرة أغلبها في الفلسفة و بعضها في
الطب.