قد سبقته إلى الذنوب، و إذا أكرمك الناس فقل
هذا من فضل اللّه عليّ لا أستحقه و إذا أهانوك فقل هذا بذنب أحدثته و إذا رميت كلب
جارك بحصاة فقد آذيته.
و كان وهب بن منبه يقول: لما أكثر بنو إسرائيل المسائل على موسى عليه
الصلاة و السلام و أبرموه أوحى اللّه تعالى في يوم واحد إلى ألف نبي ليكونوا
أعوانه له تكرمة لموسى، فمال الناس إليهم فوجد موسى من نفسه غيرة فأماتهم اللّه في
يوم واحد، قلت: غيرة الأنبياء عليهم الصلاة و السلام محمودة لخروجهم من حظ النفوس
بالعصمة و ليست إماتة اللّه تعالى لهؤلاء الأنبياء عقوبة، و إنما ذلك لما سبق في
علمه تعالى من انتهاء آجالهم بعد معاونتهم موسى عليه الصلاة و السلام، و كان محمد
بن واسع يقول: لا يبلغ العبد مقام الإحسان حتى يحسن إلى كل من صحبه و لو ساعة، و
كان إذا باع شاة يوصي بها المشتري و يقول: قد كان لها معنا صحبة.
و كان حاتم الأصم يقول: قد قلت أخلاق الرجال في ثلاث: تعظيم أخلاق
الإخوان، و ستر معايبهم، و احتمال أذاهم، و كان يحيى بن معاذ يقول: بئس القوم قوم
إن استغنى بينهم المؤمن حمدوه و إن افتقر أذلوه، و ما مشى صغير قدام كبير إلا عوقب
بحرمان الخيرات، و مدحوا عند الفضيل بن عياض رجلا و قالوا إنه لا يأكل الخبيص،
فقال: و ما ترك أكل الخبيص انظروا كيف صلته للرحم، انظروا كيف كظمه للغيظ، انظروا
كيف عطفه على الجار و الأرملة و اليتيم، انظروا كيف حسن خلقه مع إخوانه.
و كان أحمد بن حرب يقول: مثل الذي يعلم الناس الخير و يرشدهم إليه
مثل من استأجر أجراء يعملون له بأبدانهم و أموالهم الليل و النهار في حياته و بعد
مماته، و سمع يحيى بن معاذ رجلا يتمنى مالا فقال له: ماذا تصنع به؟ فقال: أجود به
على المقلين، فقال دع المقلين تكون مؤنتهم على اللّه لتصير تحبهم فإنهم إذا صارت
مؤنتهم عليك أبغضتهم و ثقلوا على قلبك، و كان يقول من تعظيم أخيك المسلم إذا مات
له ميت في بلد أخرى أن تسافر إلى تعزيته، و قد خرج أبو معاوية الأسود من الشام إلى
مكة ليعزي الفضل في ولده علي، و لم يخرج لحج و لا عمرة و كان أبو بكر الصديق رضي
اللّه عنه يقول: من سره أن يظله اللّه تعالى من نار جهنم يوم القيامة فليكن
بالمؤمن رحيما رقيق القلب.
و كان محمد بن المنكدر يقوم الليل، و إذا طلبت أمه أن يغمز رجلها إلى
الصباح يرى ذلك أفضل من صلاته، قلت: و قد قالوا مثل ذلك في حق شيخ الإنسان، و كان
كهمس بن