[قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا][1]، و إن
اللّه لم يبعث نبيا إلا و هو شاب.
و في الزبور ما بلغ أحد سبعين سنة إلا اشتكى من غير علة، و كان محمد
بن حسان يقول: لا تطلب من نفسك العمل في هذه السنة مثل عملها في السنة التي قبلها،
لأن الإنسان كل يوم في نقص، و قد قيل لشيخ كيف حالك؟ فقال: صار يسبقني من هو معي و
يدركني من هو خلفي و صرت أنسى كل شيء سمعته من الخير، و صرت إذا قمت دنت مني
الأرض و إذا قعدت تباعدت و صرت أبصر الواحد اثنين، و اسود مني ما كنت أحب أن يبيض،
و ابيض مني ما كنت أحب أنه يسود و اشتد مني ما كنت أحب أنه يلين، و لان مني ما كنت
أحب أنه يشتد انتهى.
فتأمل يا أخي ما ذكرته لك و استغنم شبابك و رقع مشيبك بكثرة
الاستغفار، فلعلك تجبر ما انصدع من دينك، و الحمد للّه رب العالمين.
حسن الأدب
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
حسن أدبهم مع الصغير فضلا عن الكبير و مع البعيد فضلا عن القريب و مع الجاهل فضلا
عن العالم، و قد قال تعالى لموسى و هارون: [فَقُولا لَهُ
قَوْلًا لَيِّناً][2]، مع أن فرعون كان من أفسق الكفار، و أجمعوا على أن علو الدرجات إنما
يكون بزيادة الأدب، و الأصل في الأدب شهود النقص في أنفسهم و الكمال في غيرهم عكس
من كان قليل الأدب.
و قد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يكره للرجل أن يحد النظر
إلى أخيه، و كان ميمون بن مهران إذا دعي إلى وليمة جلس مع الصبيان و المساكين من
الرجال و ترك الأغنياء، و كان سعيد بن عامر يقول من وصف إنسانا بما ليس فيه لعنته
الملائكة، فقال له رجل يوما و هو لا يعرفه يا أصلع، فقال له يا أخي إن كنت لغنيا
عن لعن الملائكة لك، و كان علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه يقول أعلم الناس باللّه
أشدهم تعظيما لأهل لا إله إلا اللّه.
و كان بكر بن عبد اللّه المزني يقول: إذا رأيت من هو أكبر منك فعظمه
و قل إنه سبقني إلى الإسلام و العمل الصالح، و إذا رأيت من هو أصغر منك فعظمه و قل
في نفسك إني