و كان وهب بن منبه يقول دخل داود 7 غارا من أغوار بيت المقدس، فإذا فيه سرير عليه رجل ميت و عند رأسه لوح
مكتوب فيه أنا فلان الملك، ملكت الدنيا ألف عام و تزوجت ألف بكر و بنيت ألف مدينة
و هزمت ألف جيش و هذا مصرعي فاعتبروا بي يا أهل الدنيا، و كان الفضيل بن عياض يقول
كما أراد عدو الإنسان أن يضره فيصرفه اللّه عنه و لا يشعر، ثم يقرأ قوله تعالى: [إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ
أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ][1]
و كان أنس بن مالك يقول: لا تذهب الأيام و الليالي حتى يكون سماع
الشعر أحب إلى الناس من سماع القرآن، و كان يحيى بن معاذ يقول: عجبت من أقوام
يعيبون على الصالحين المباح، و لم يعيبوا على أنفسهم الذنوب القباح، فترى أحدهم
يقع في الغيبة و النميمة و الحسد و الحقد و الغل و الكبر و العجب و لا يستغفر من
ذلك ثم ينكر على الصالحين لبس أحدهم الثوب المباح أو أكل الحلاوة أو السكر المباح،
و كان أبو حمزة البغدادي يقول لا تنظروا لشكر العامة في العلماء إذا ماتوا، و كان
انظروا إلى شكر الزهاد و العباد لهم.
و قال صالح المري يوما من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له، فقالت
امرأة و هل أغلق بابه تعالى قط، فقال صالح: امرأة عقلت و شيخ جهل، و كان عيسى عليه
الصلاة و السلام يقول: لا يسب النبي و الصالح إلا أهل مدينته أو جيرانه لأنه
ينصحهم فيكرهونه و يسبونه، و كان يحيى بن معاذ يقول: إذا رأيت العالم في مكان من
الأماكن التي تزري به فلا تعجل باللوم عليه فربما كان أحذر منك في حضوره و أقل
لوما منك على لومك.
(قلت) و سيأتي في هذا الكتاب أن من الصالحين من لا يفارق مواضع
المعاصي يشفع في أهلها و يحوطهم من أن ينزل عليهم بلاء، و لا ينبغي المبادرة
بالإنكار عليه إلا بعد الفحص عن حاله و اللّه أعلم. (و كان) يحيى بن معاذ يقول:
إذا صادفت النفس مالا فقد صادف الذئب غنما في البرية، و كان أبو الدرداء يقول: لا
تجعلوا عبادته تعالى بلاء عليكم، فقيل كيف ذلك؟ قال: يوقف أحدكم على نفسه العمل ثم
لا يفي به، و كان عيسى عليه الصلاة و السلام يقول: كل كلام اللّه يرجع معناه إلى
أن الآخرة خير من الأولى و لا ينبغي لأحد أن يشك في ذلك، قال: و كان حاتم الأصم
يقول: من أحب الدرهم لذاته فقد أحبه للآخرة.
فاعلم ذلك يا أخي، و قل اللهم لا تجعلنا عبرة لغيرنا و بصرنا
بعيوبنا، و الحمد للّه رب العالمين.