لتغفلون عن الورع و هو أفضل العبادة، و قد
كان عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما يقول: لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا و صمتم
حتى تكونوا كالأوتار ما تقبل اللّه تعالى ذلك منكم إلا بورع حاجز، و كان إبراهيم
بن أدهم رحمه اللّه تعالى يقول: ما أدرك من أدرك من القوم إلا لكونه يعقل ما يدخل
جوفه- يعني رغيفه- من الحلال.
و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: من عرف كل ما يدخل جوفه
كتب عند اللّه صديقا و من لم يصحبه الورع في فقره أكل الحرام المحض و لا يشعر، و
كان بشر الحافي رحمه اللّه تعالى يقول: الورع هو ترك التأويل و ترك الأخذ بالرخص
عند الضرورات، و كان يونس بن عبيد رحمه اللّه تعالى يقول: لو أنا نجد درهما من
حلال لكنا نشتري به قمحا نطحنه و نحوزه عندنا فكل من عجز الأطباء عن مداواته داويناه
به فخلص من مرضه لوقته، و كان مسعر بن كدام رضي اللّه عنه يقول: لا أعلم اليوم في
زماننا هذا حلالا إلا ما يشربه الرجل من النهر بكفه.
و كان عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما يقول: كسب الحلال أشد من
نقل جبل إلى جبل، و كان وهيب بن الورد رحمه اللّه تعالى يقول: لو أقام أحدكم حتى
صار مثل هذه السارية ما تقبل اللّه منه ذلك حتى يعلم ما يدخل في جوفه، و كان سفيان
الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: من تصدق من حرام أو أنفقه في طاعة فهو كمن يطهر
ثوبه بالبول، و كان يقول لا تكفر الصدقة شيئا من الذنوب إلا إن كانت من حلال، و كان
عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما يقول: لا يقبل اللّه صلاة أحدكم و في جوفه شيء
من الحرام.
و قد أقام إبراهيم بالشام أربعا و عشرين سنة لأجل طلب القوت الحلال و
لم يقم لجهاد و لا غيره، و كانت إقامته في جبل لبنان فكان يأكل من فواكهه المباحة
التي لم تدخل في ملك أحد من الخلق رحمه اللّه تعالى، و كان بشر الحافي يقول: بلغنا
أن معبدا رحمه اللّه تعالى ترب مرة كتابا من حائط جاره بغير إذنه فرأى تلك الليلة
في منامه قائلا يقول له: سيعلم المستخف بالتراب ما يلقاه غدا من سوء الحساب، و قد
كان السلف يسافرون لتعلم الورع كما يسافرون لطلب العلم و الحج رضي اللّه عنهم،
فاعلم ذلك يا أخي و دقق في الورع و هيهات أن تصل إلى شبهات السلف الصالح، و الحمد
للّه رب العالمين.