و يعمل منها موالد و يطعم الناس تأليفا
لقلوبهم أو لتعظم له عليهم الرياسة، و بعضهم يقبل الشبهات على اسم الفقراء و
يأكلها وحده و هذا أقبح حالا من الأول.
و قد حث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على الصدقة و قال: [اتقوا
النار و لو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة]، و معلوم أن الصدقة من الشبهات لا
تقي صاحبها من النار، و قد كانت عائشة رضي اللّه عنها تقول: قال لي رسول اللّه صلى
اللّه عليه و سلم: [يا عائشة إذا طبختم قدرا فأكثروا من مرقتها و تعاهدوا
الجيران]، و كذلك قال صلى اللّه عليه و سلم لأبي الدرداء رضي اللّه عنه: «يا أبا
الدرداء إذا صنعت طعاما فأكثر المرق و تعاهد جيرانك، و قد تصدقت عائشة رضي اللّه
عنها بسبعين ألف درهم و إن درعها لمرقع.
و كان مجاهد رحمه اللّه تعالى يقول: لا يتصدق أحدكم إلا بما يشتهيه
فإن اللّه تبارك و تعالى يقول: [وَ يُطْعِمُونَ
الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ][1] أي و هم و يشتهونه، و كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه
عنه يقول: اللهم اجعل الفضل عند خيارنا فلعلهم يعودون على أولي الحاجة منا، و كان
عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه تعالى يقول: تصدقوا فإنه بلغنا أن الصلاة تبلغ العبد
نصف الطريق و الصوم يبلغه باب الملك و الصدقة تدخله على الملك، و في الحديث [إن
عابدا عبد اللّه سبعين سنة ثم أصاب فاحشة فأحبط عمله بها ثم نزل يغتسل فمر به
مسكين فتصدق عليه برغيف فغفر اللّه له ذنبه ورد عليه عمله]، و في الحديث أيضا
[باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتجاوزها] و قد كان الصحابة رضي اللّه عنهم لا
يخرجون لصلاة الصبح إلا بشيء يتصدقون به على أول مسكين يلقونه و لو بلقمة أو بصلة
أو زبيبة.
و كان يحيى بن معاذ رحمه اللّه تعالى يقول: ما أعرف حبة توزن بجبال
الدنيا إلا حبة الصدقة، و كان إبراهيم النخعي رحمه اللّه تعالى يقول: تصدقوا
بالسليم فإنه لا ينبغي أن يكون فيما يخرجه المرء للّه تعالى عيب أو نقص، و قد سئل
الإمام مالك رضي اللّه عنه عن شرب الأغنياء من الماء الذي يسبل في المسجد، فقال:
لا بأس به لأنه إنما جعل للعطشان كائنا ما كان و لم يرد صاحبه تخصيص أهل الحاجة
به.
و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: اكتسبوا من الحلال و
تصدقوا منه فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: [من لم يبال من أين اكتسب
المال لم يبال اللّه به أن يدخله النار] ا ه، و في الحديث [من أصاب مالا من مأثم
فوصل به رحما أو تصدق به أو أنفقه في سبيل اللّه جمع له ذلك جميعا ثم قذف به في
نار جهنم]، و قد كانت عائشة رضي اللّه عنها تقول: إنكم