يقول: إذا منع الرجل الحق من ماله أهلكه
اللّه في الماء و الطين، و كان أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه لا يصلي في مسجد
مزخرف و قد مر يوما على مسجد بني تميم و كانوا قد زخرفوه و قد حضرته الصلاة
فقالوا: يا أمير المؤمنين ألا تصلي في مسجد بني تميم، فقال: لا تقولوا في مسجد بني
تميم ثم جاوزه و صلى في مسجد بني ليث و قال: نهينا أن نصلي في مسجد أسس على غير
تقوى.
و قد مر عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه على مسجد منقوش فقال: لعن
اللّه تعالى كل من بنى هذا فإنه أنفق ماله في معصية اللّه تعالى، و إن له بكل درهم
أنفقه فيه كية من نار، و قد بلغ عمر بن عبد العزيز أن أساطين في مسجد دمشق قد
حمروها و خلقت بالزعفران فكتب إلى عامله إن المساكين أحوج إلى تلك الدراهم من
الأساطين.
و قد كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: من بنى بناء و نقشه
بالأحمر و الأصفر فهو آثم هو و من أعانه، و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى
يقول: كنت أدخل حجر أزواج النبي صلى اللّه عليه و سلم فأتناول سقفها بيدي، و قد
جاء رجل إلى الحسن البصري رحمه اللّه تعالى فقال له: إني عمرت دارا و قصدي أن
تدخلها و تدعو لي فيها بالبركة، فقال له الحسن: لقد غرك أهل الأرض و مقتك أهل
السماء بنيت شديدا و أملت بعيدا و ستموت قريبا.
و قد سئل محمد بن سلام البيكندي رحمه اللّه عن السنة في طول البناء
في المساجد و المنازل فقال: قدر قامة الرجل، و كان أحمد بن حرب رحمه اللّه تعالى
يقول: من نظر إلى بستان أو بنيان بشهوة من غير عبرة سلبه اللّه تعالى حلاوة
العبادة أربعين يوما، و قد كان المعتمر بن سليمان رحمه اللّه تعالى يقول: سقط بيت
لنا فلم يبنه أبي و قال: الأمر أعجل من ذلك ثم ضرب لنا خيمة و أدخلنا فيها فنحن
فيها ثلاثين سنة اه.
فتأمل يا أخي هذه الأخلاق و استغفر ربك إن وجدت نفسك مخالفا لها فإنه
لا شرف للعبد إلا باتباع سلفه الطاهر في الأفعال و الأقوال و الأخلاق، و قد رأيت
من عمر له مسجدا فعادى غالب الناس لكونهم لم يساعدوه و صار مقراضا في أعراضهم نسأل
اللّه العافية، فمثل هذا عاص للّه سبحانه و تعالى و لعل ثوابه الحاصل ببناء زاويته
لا يرضى به أحد من الذين اغتابهم في غيبة واحدة اغتابها فيه، و إذا كان من له مال
لا ينبغي له أن ينفقه في الماء و الطين إلا لضرورة شرعية فكيف بمن يسأل الناس أن
يساعدوه و يعاونوه في البناء، فاعلم ذلك يا أخي و احذره كل الحذر، و الحمد للّه رب
العالمين.