و قد كان أنس بن مالك رضي اللّه عنه يقول:
رأيت درجة في سلم غرفة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تتحرك فأردت أن أبنيها
بقطعة طين فنهاني صلى اللّه عليه و سلم و قال: [ما لي و للدنيا] و في رواية [إني
بعثت بخراب الدنيا و لم أبعث بعمارتها] ا ه، و قد بنى أبو الدرداء رضي اللّه عنه
كنيفا فبلغ ذلك عمر بن الخطاب و كان في خلافته رضي اللّه عنه فكتب إليه يقول: من
عمر إلى عويمر سلام عليك، أما بعد، ثكلتك أمك أما كان لك حاجة إلا أن تجدد عمارة
الدنيا بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حكمت عليك أن لا تضع كتابي من يدك حتى
تهدمه، قال: فهدمه لوقته، و قد كان وهب بن منبه رحمه اللّه تعالى يقول: من استغنى
بأموال الفقراء أفقرته و من سخر الفقراء في بناء داره أعقبه ذلك الخراب، و من
استغنى بأموال الفقراء أخذها على اسمهم و اختص بها.
و كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: ما وقع لي أن أنفقت درهما
في بناء قط، قال: و مالت حائط في دار مطرف بن عبد اللّه فقالوا له: ألا تصلحها
يوما؟ فقال: إن رب المنزل لا يدعنا نقيم فيه حتى نعمره، و قد كان خص نوح صلى اللّه
عليه و سلم من خوص النخل فقيل له: لو بنيت لك بيتا، فقال: هذا كثير على من يموت، و
كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: ما زخرف قوم البناء إلا أوشك أن يرجموا
من السماء.
و كان ثابت البناني رحمه اللّه تعالى يقول: قد أوحى اللّه تعالى إلى
نبي من الأنبياء عليهم الصلاة و السلام أن عمر أمتك ثلاثمائة عام، قال: فأخبرهم
نبيهم بذلك فقالوا: إن عمرنا لقصير ثم خرجوا من دورهم و ضربوا الأخبية في البرية و
أقبلوا على عبادة ربهم عز و جل فلم يتناسلوا و لم يتوالدوا حتى ماتوا على آخرهم.
و قد دخل حامد اللفاف رحمه اللّه تعالى على امرأة يوما فوجدها تطين
كانونا لها و تزلقه فقال لها: ما هذا؟ فاعتذرت إليه و قالت: إن ذلك أبقى للكانون
حتى لا يقع القدر من فوقه فيذهب الطعام على الأرض، فقال لها: إن اللّه مطلع على باطنك،
و كان إبراهيم بن أدهم رحمه اللّه تعالى يقول: كان لأبي دار واسعة ورثها من أبيه و
كان يسكن في البيت منها فإذا خرب تحول إلى غيره حتى مات في آخر بيت منها و لم يعمر
منها شيئا، و كان عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه يقول: سيأتي على الناس زمان
يرفعون الطين و يضيعون الدين و يسمنون البراذين و يصلون إلى قبلتكم و يموتون على
غير ملتكم.
و كان أبو سلمة بن عبد الرحمن رحمه اللّه تعالى يقول: كل شيء دخله
زهو و مباهاة من مركب و ملبس و مطعم و مسكن فهو سرف و معصية، و كان أبو الدرداء
رضي اللّه عنه