نفسه، و كان حبيب بن أبي ثابت رحمه اللّه
تعالى يقول: لا تؤاخي أحدا إلا إن كنت لا تكتم عنه سرا و إلا فهو أجنبي منك، و كان
الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: لقد أدركنا الناس و هم يواسون بعضهم بعضا و
لا يسألون عن كون أخيهم محتاجا إلى ما يواسونه به أم لا، و تراهم اليوم يسألون عن
أحوال بعضهم ثم لا يسمح أحدهم أن يعطي أخاه درهما.
و كان أبو حازم رحمه اللّه تعالى يقول: إذا كان لك أخ في اللّه فلا
تعامله في الدنيا و أكثر من مواساته من غير طلب عوض منه على ذلك لتدوم لك صحبته، و
كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: لا ينبغي لأحد أن يقول لأخيه إني أحبك
للّه إلا بعد أن يعرض على نفسه أنه لا يمنعه شيئا طلبه منه و لو طلاق زوجته ليتزوج
بها، و قد سئل عن الأخوة في اللّه فقال: تلك طريق نبت فيها الشوك فلا أحد يسلكها.
و كان ابن عباس رضي اللّه عنهما يقول: من لم يشق عليه الذباب إذا نزل
على بدن أخيه فليس بأخ، و قد كان عمرو بن العاص رضي اللّه عنه يقول: كلما كثر
الأخلاء كثر الغرماء يوم القيامة و من لم يواس إخوانه بكل ما يقدر عليه نقصوا من
محبته بقدر ما نقص من مواساتهم، و المراد بالغرماء الحقوق، و كان علي بن بكار رحمه
اللّه تعالى يقول: ما رأيت في زماني أحدا قام بحق الأخوة مثل إبراهيم بن أدهم رحمه
اللّه تعالى كان يقسم الدرهم و التمرة و الزبيبة بينه و بين أخيه و إن غاب حفظها
له حتى يحضر.
و قد قيل لميمون بن مهران رحمه اللّه ما لنا نراك لا يفارقك الأصدقاء،
فقال: لأني كلما رأيت أخي يحب شيئا أعطيته إياه و لا أميز نفسي عليه، و كان إمامنا
الشافعي رضي اللّه عنه يقول ليس بأخيك من احتجت إلى مداراته و الاعتذار إليه، و قد
مات ولد ليونس بن عبيد رحمه اللّه تعالى فلم يعزه ابن عوف فقيل له: إن فلانا لم
يعزك في ولدك، فقال: إنا إذا وثقنا بمودة أحد لا يضرنا أن لا يأتينا.
و كان حامد اللفاف رحمه اللّه تعالى يقول: لقد أدركنا الناس و هم
يحسنون إلى أعدائهم و نراهم اليوم لا يحسنون و لا لأصدقائهم، و كان الأعمش رحمه
اللّه تعالى يقول:
لقد أدركنا الناس و أحدهم يمكث الأيام المتوالية لا يلقى أخاه ثم إذا
تلاقيا لا يزيد أحدهم الآخر على قوله كيف أنت؟ كيف حالك؟ و لو أنه سأله شطر ماله
لأعطاه إياه ثم صار الناس اليوم لو لقي أحدهم أخاه كل يوم أو كل ساعة يقول له: كيف
حالك؟ كيف أنت؟ و يسأله عن كل شيء حتى عن الدجاجة في البيت، و لو أنه سأله درهما
لم يعطه إياه.