(قلت) و من صح له هذا المقام فلا يتطبب بأحد
من الأطباء لأنهم ليس لهم يد في ذلك و اللّه أعلم، و قد قال عبد الملك بن مروان
رحمه اللّه تعالى يوما للحجاج بن يوسف: يا حجاج ما من أحد إلا و يعرف عيب نفسه لا
يكاد يخفى عليه شيء منه فقل لي يا حجاج على عيبك، فقال له الحجاج: أعتقني من ذلك
يا أمير المؤمنين، فقال عبد الملك لا بد و أقسم عليه، فقال الحجاج: من عيبي أنني
لجوج حسود حقود، فقال له عبد الملك: قاتلك اللّه ليس في الشيطان أشر مما قلت.
و قد كان مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى يقول: إني أجيز شهادة
القراء على الناس و لا أجيزها على بعضهم مع بعض، لأنهم قوم حسدة، و كذلك كان
الإمام مالك رضي اللّه عنه يقول:
سئل أوس بن خارجة من سيدكم، فقال حاتم الطائي، فقيل له: أين أنت منه،
فقال: لا أصلح أن أكون خادما له، و سئل حاتم الطائي من يسودكم؟ فقال: أوس بن
خارجة، فقيل له: أين أنت منه؟ قال: لا أصلح أن أكون مملوكا له، فكان الإمام مالك
رضي اللّه عنه يقول: أين فقهاؤنا من هذا الأمر، و قد قال عمر بن عبد العزيز رحمه
اللّه تعالى يوما لرجل من بعض القبائل من سيدكم يا هذا؟ فقال الرجل: أنا يا أمير
المؤمنين، فقال له عمر: كذبت لو كنت سيدهم ما قلت ذلك.
و قد كان ابن السماك رحمه اللّه تعالى يقول: من علامة الحاسد أن
يدنيه منك الطمع و يبعده عنك سوء الطبع، و إن أعظم الناس حسدا الأقربون و الجيران
لمشاهدتهم النعمة التي يحسدون عليها بخلاف البعيد، و لذلك كتب أمير المؤمنين عمر
بن الخطاب لأبي موسى الأشعري رضي اللّه عنهما أن مر ذوي القرابات أن يتزاوروا و لا
يتجاوروا، و قد قال الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى لسفيان الثوري رحمه اللّه
اعلم أن لو بذلت النصيحة للناس حتى صاروا مثلك في الدين ما وفيت بالنصيحة لهم فكيف
توفيهم النصيحة و لم يبلغوا حالك، و كان شقيق البلخي رحمه اللّه تعالى يقول: إذا
كان فيك من الخصال ما يخافه عدوك فليس فيك خير فكيف إذا كان فيك ما يخافه صديقك، و
اعلم أن من تعرض لمساوئ الناس عرض نفسه للهلاك و من سلم الناس منه سلم هو من
الناس، و من نم على الناس افتقر في دينه و دنياه و صار من خدام إبليس اه.
ففتش يا أخي نفسك و انظر هل سلمت من الحسد لإخوانك المسلمين على ما
آتاهم اللّه تعالى من فضله، و هل بذلت لهم النصيحة كما أمرك اللّه أم أنت بالضد من
ذلك و استغفر اللّه و الحمد للّه رب العالمين.