و قد سمعت شيخنا سيدي عليا الخواص رحمه
اللّه تعالى يقول: من أخلص عمله للّه تعالى جعل اللّه عز و جل قلوب المؤمنين تخلص
في محبته، و أما من لبس في دينه أطلع اللّه تعالى بعض أصفيائه على باطنه فلا يخلص
له قلب أحد منهم في محبته انتهى.
و في الحديث [إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب] ا ه، و
إذا فنيت حسنات العبد ذهبت سيادته لأنه يصير إما صاحب سيئات أو أمره موقوف لا
حسنات و لا سيئات، و من المعلوم أن السيادة و التعظيم إنما يكونان لمن فاق الناس
في الأعمال و الأخلاق الصالحة، و كان الأحنف بن قيس رحمه اللّه تعالى يقول: لا
راحة لحسود و لا سيادة لسيئ الخلق، و كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه
عنه يقول: ما ثم صاحب نعمة إلا و له عليها حساد.
و كان فرقد السنجي رحمه اللّه تعالى يقول: دواء ترك الحسد هو الزهد
في الدنيا و أما من رغب في الدنيا فالحسد من لازمه شاء أو أبى ا ه، و كان سفيان
الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: من شأن الحسود عدم الفهم فمن أراد جودة الفهم فلا
يحسد أحدا و إني لأترك في بعض الأوقات لبس الثوب الجديد مخافة أن يهيج الحسد عند
جيراني أو غيرهم، و كان يحيى بن معاذ رحمه اللّه تعالى يقول: المحسود على ما عنده
من النعمة خير ممن ليس عنده نعمة يحسد عليها فيشكر اللّه تعالى على نعمته و يعذر
الحسود، و قد كان وهب بن منبه رحمه اللّه تعالى يقول: اتقوا الحسد فإنه أول ذنب
عصى اللّه تعالى به في السماء، و أول ذنب عصى اللّه تعالى به في الأرض.
و كان ميمون بن مهران رحمه اللّه تعالى يقول: إن أردت أن تسلم من شر
من يحسدك فعم عليه أمورك، و كان مسعر بن كدام رحمه اللّه تعالى يقول: ما آثر القوم
النصيحة لإخوانهم إلا لوفور شفقتهم عليهم، و قد صارت النصيحة اليوم كالعداوة و ما
نصحت أحدا إلا و صار يفتش في عيوبي و ينسى العمل بنصحي، و كان محمد بن سيرين رحمه
اللّه تعالى يقول: ما حسد قط أحدا على دين و لا دنيا و ذلك من أكبر نعم اللّه
سبحانه و تعالى عليّ، و قد كان أيوب السختياني رحمه اللّه تعالى من أنصح الناس
لإخوانه شفقة على دينهم أن ينقص، و كان يقول إني لأرحم هؤلاء العصاة الغافلين عن
ربهم عز و جل، و كان إذا نزل بالمسلمين هم أو بلاء يمرض لذلك و يصير يعاد كما تعاد
المرضى فإذا ارتفع ذلك الهم يبرأ من وقته.