دينار رحمه اللّه تعالى يقول: اتقوا السحارة
التي تسحر قلوب العلماء و تلهيهم عن اللّه تعالى- يعني الدنيا- و هي أسحر و أقبح
من سحر هاروت و ماروت لأن ذاك يفرق بين المرء و زوجه و هذا يفرق بين العبد و ربه،
و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: لقد أدركنا الناس و هو يرون الدنيا
عندهم كوديعة يؤدونها إلى صاحبها ليس لهم فيها ملك و لذلك ذهبوا إلى الآخرة خفافا.
و كان أبو سليمان الداراني رحمه اللّه تعالى يقول: كل الخبز الحاف و
أنت خائف من الدنيا، و إياك أن تعد نفسك بعد ذلك أنك من الزاهدين فإن صغير الدنيا
يجر إلى كبيرها من حيث لا يشعر العبد.
و كان سفيان بن عيينة رحمه اللّه تعالى يقول: إنما أكثر القوم من ذكر
اللّه تعالى لتبعد عنهم الدنيا فإنهم إذا ذكروا اللّه بعدت و إذا تفرقوا عن الذكر
أخذت بأعناقهم، فاعلم ذلك و الحمد للّه رب العالمين.
الاقتداء بالرسول
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
استحياؤهم من كثرة ترددهم إلى الخلاء و ذلك بدوام الجوع الشرعي مع الجدة اقتداء
برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فقد كان صلى اللّه عليه و سلم يشد الحجر على
بطنه الشريف من الجوع، قالت عائشة رضي اللّه عنها لو شاء صلى اللّه عليه و سلم
لأكل و لكن كان يؤثر على نفسه. (قلت) قد كان له صلى اللّه عليه و سلم مقام آخر
أكمل من هذا و هو أنه كان يبدأ بنفسه و لا يجوع إلا اضطرارا لأن الكامل من شأنه أن
يوفي طبيعته حقها لأنه مسئول عنها فما جاع صلى اللّه عليه و سلم اختيارا و آثر على
نفسه إلا ليقتدى به في ذلك، فافهم.
و كان عبد الرحمن بن أبي نعيم رحمه اللّه تعالى لا يأكل إلا كل خمسة
عشر يوما أكلة، فبلغ ذلك الحجاج بن يوسف فدعاه ثم أمر به فوضع في بيت و أغلق عليه
الباب خمسة عشر يوما ثم فتح عليه فإذا هو قائم يصلي.
و كان عبد اللّه بن الزبير رضي اللّه عنهما يطوي الأسبوع فكان لا
يأكل إلا يوم السبت، و كان الإمام أبو حنيفة رضي اللّه عنه مقللا في الأكل جدا،
كان يأكل كما يأكل الطير في القلة، و لم يكن في بيته إلا الحصير، و قد كان أبو
سليمان الداراني رحمه اللّه تعالى يقول:
أحلى ما تكون لي العبادة إذا ألصقت بطني بظهري فإن الحكمة كالعروس
تطلب البيت الخالي تنام فيه لتخلو فيه بصاحبها.