responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطريق الى الله تعالي من كلام الشيخ الأكبر محيى الدين ابن العربى المؤلف : غراب، محمود محمود    الجزء : 1  صفحة : 51

بعض النفوس الفاضلة، فأردنا أن نرفع الإشكال، و ذلك أن النفوس تصفو بالرياضة، و ترك الشهوات الطبيعية، و الاستغراق في الأمور المحسوسة، و تتشوق إلى ما منه جاءت، و ما أريدت له، و إلى أين مآلها و ما رتبتها من العالم، و علمت من ذاتها أن وراء هذا الجسم أمرا آخر، هو المحرك له و المدبر، لما عاينت من الموت النازل به، فتنظر إلى آلاته على كمالها و لا ترى له تلك الإدراكات التي كانت له في زمان وصفه بالحياة، فعلمت أنه لابد من أمر آخر هناك، لا تعرف نسبته إلى هذا الجسم، هل نسبة العرض إلى محله؟ أو المتمكن إلى مكانه؟ أو الملك إلى ملكه؟ ثم علمت أن بين الموت و النوم فرقانا، بما تراه في النوم من الصور و ما تستفيده من الأحوال الملذة و المؤلمة، و سرعة التغير في صورة النائم من حال إلى حال، و لم تر ذلك في صورة الجسم، ثم تستيقظ فترى الجسم على حاله في صورته ما تغير، و ترى انفعال الجسم في بعض الأوقات لما يطرأ للنائم في حال نومه، مثل دفق الماء في الاحتلام عند رؤية الجماع في النوم، فعلمت بهذا كله أن وراء هذا الجسم أمرا آخر بينه و بين هذه الصورة علاقة، ثم إنها رأت تفاوت الأمثال في العلوم و الفهم و افتقار بعضها إلى التعليم، و نظرت إلى حال من زهد و فكر و اتخذ الخلوات، و لم يأخذ من لذات المحسوسات إلا ما تمس إليه الحاجات، مما به قوام هذا الجسم، و أن صاحب هذا الحال يزيد على نفس أخرى بعلوم و فضائل، يفتقر إليه فيها و في العلم بها، فنظرت في الطريق الذي أوصل تلك النفوس دون غيرها إلى هذا المقام، فلم تر مانعا إلا انكباب بعض النفوس على تناول هذه المشتهيات الظاهرة الطبيعية و التنافس فيها، فزهدت في ذلك كله، و تحلت بمكارم الأخلاق، و لم تترك لأحد عليها مطالبة و لا علاقة، و لم تزاحمهم على ما هم عليه، و جنحت إلى الخلوات، و رفعت الهمة إلى الاستشراف لتعلم ما هو الأمر عليه، فلما كانت بهذه المثابة، و كل ذلك نظر منها، ما هو عن تقليد شرعي إلهي، و إنما هو فكرة صحيحة، و إلهام إلهي ناقص غير كامل، لأن الإلهام الأكمل أن يلهم لاتباع الشرع، و النظر في كلامه، و في الكتب التي قيل إنها جاءت من عند اللّه. فمثل هذا هو الإلهام الأكمل، فلما صفت هذه النفوس و شفت، صارت مثل المرآة، و زال عنها صدأ هذه الطبيعة، انتقش فيها صور العالم، فرأت ما لم تكن رأته، فنطقت بالغيوب و التحقت بالملأ الأعلى التحاق غريب ورد على غير موطنه، و هو موطنه ولكن ما عرف لغربته، لما سافر إلى أرض طبيعته‌

اسم الکتاب : الطريق الى الله تعالي من كلام الشيخ الأكبر محيى الدين ابن العربى المؤلف : غراب، محمود محمود    الجزء : 1  صفحة : 51
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست