responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الطريق الى الله تعالي من كلام الشيخ الأكبر محيى الدين ابن العربى المؤلف : غراب، محمود محمود    الجزء : 1  صفحة : 49

رجلا مقبلا أو على حالة ما، و بينهما البعد المفرط و الأجسام الكثيفة، بحيث أن يراه بمكة، أو يرى الكعبة و هو بأقصى المغرب، و هذا كثير عند المريدين في أول أحوالهم، ثم ينتقلون عن ذلك- إن كانوا من أهل العناية و الاختصاص بالوراثة النبوية- إلى عالم الغيب الذي يدرك بعين البصيرة، و ليس بينه و بينها مسافة و لا بعد و لا قرب مفرط، و حجابه الران و القفل و الكن، و قد ارتفعت بالمجاهدات فلاحت أعلام الغيوب، غير أن بين نور البصر و نور البصيرة لطيفة معنى، و ذلك أن الحس يحجبه الجدار و البعد المفرط، و القرب المفرط، و عين البصيرة ليس كذلك، لا يحجبه شي‌ء إلا ما ذكرنا من الران و الكن و أشباه ذلك، لكن ثمّ أمرا تدركه، و هو إن انجلت عين البصيرة، فإن ثمّ حجابا آخر لطيفا إلهيا، و هو أن النور الذي ينبسط من حضرة الجود على المغيبات- عالم الغيب- في الحضرات الوجودية لا يعمّها كلها، إلا على قدر ما يريد اللّه تعالى أن يكشف لك منها، مع أنك في غاية الصفاء و الجلاء، فلا ينبسط من هذا النور عليها في حق هذا المكاشف إلا على قدر ما يريد اللّه تعالى، فإن الذي يكشف له، ما يلزم أن يعم كشفه كل شي‌ء، لكن عنده استعداد الكشف لا غير، فما جلّى له الحق من أسرار العالم في مرآة قلبه إن كان معنى، أو في مرآة بصره إن كان صورة، كشفه ورآه لا غير، فليس من حقيقة الكشف أن يعلمه المكاشف في كل صورة، بل ذلك على قدر ما يريده الحق، فيستر عنه ما شاء، و يطلعه على ما شاء، فليس من شأن المكاشف نفوذ بصره في كل صورة تتجلى له.

و اعلم ان المكاشف يحكم بحسب الحضرة التي منها يكاشف، فإنها تعطيه بذاتها ما هي عليه، و هذا سبب اختلاف أهل الكشف، فإن كل صاحب كشف أخبر عما رأى في كشفه في ذلك الوقت، و المكاشف قد يطلع وقتا على الأمر من جميع جهاته، و قد يطلع على بعض وجوهه، و يستر اللّه عنه ما شاء من وجوه ذلك الأمر، فيحكم المكاشف على الكل، فيكون صحيح الكشف مخطئا في تعميم الحكم، و صاحب الكشف قد يطرأ عليه خلل، بكونه زاد على كشفه نوعا من التأويل بفكره، فلم يقف مع كشفه، كصاحب الرؤيا، فإن كشفه صحيح و أخبر عما رأى، و يقع الخطأ في التعبير لا في نفس ما رأى، فالكشف لا يخطى‌ء أبدا، و المتكلم في مدلوله يخطى‌ء و يصيب إلا أن يخبر عن اللّه في ذلك، فيخبر كل واحد بما رآه و يصدق في إخباره، و ما يقع الخطأ في هذا الطريق من جهة الكشف، ولكن‌

اسم الکتاب : الطريق الى الله تعالي من كلام الشيخ الأكبر محيى الدين ابن العربى المؤلف : غراب، محمود محمود    الجزء : 1  صفحة : 49
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست