اسم الکتاب : الطريق الى الله تعالي من كلام الشيخ الأكبر محيى الدين ابن العربى المؤلف : غراب، محمود محمود الجزء : 1 صفحة : 26
فالطبيب لا يعرف الطبيعة إلا بما هي مدبرة
للبدن الإنساني خاصة، و العالم بعلم الطبيعة يعرفها مطلقا و إن لم يكن طبيبا، و قد
يجمع الشيخ بين الأمرين.
و الطلبة و التلامذة للشيخ المتحقق بحفظ الفرج، ألواح منحوتة منصوبة
لرقمه و كتابته، و قوابل مستعدة لنفخه، فلا يزال ينفخ فيهم أرواح الأسرار، و يخط
فيهم حروف المعاني القدسية، فيكون إذ ذاك متصفا باسمه الخلاق الحكيم، و علامات
مدعيه رفض الدنيا و أهلها، و تأثير كلامه و موعظته في نفس أكثر المستمعين له لا في
كلهم.
و اعلم أن الشيوخ على حالين: شيوخ عارفون بالكتاب و السنة، قائلون
بها في ظواهرهم، متحققون بها في سرائرهم يراعون حدود اللّه، و يوفون بعهد اللّه،
قائمون بمراسم الشريعة، لا يتأولون في الورع، آخذون بالاحتياط، مجانبون لأهل
التخليط، مشفقون على الأمة. لا يمقتون أحدا من العصاة، يحبون ما أحب اللّه، و
يبغضون ما أبغض اللّه ببغض اللّه، لا تأخذهم في اللّه لومة لائم، يأمرون بالمعروف،
و ينهون عن المنكر المجمع عليه، يسارعون في الخيرات، و يعفون عن الناس، يوقرون
الكبير، و يرحمون الصغير، و يميطون الأذى عن طريق اللّه و طريق الناس، و يدعون في
الخير بالأوجب، يؤدون الحقوق إلى أهلها، يبرون إخوانهم بل الناس أجمعهم، لا
يقتصرون بالجود على معارفهم، جودهم مطلق، الكبير لهم أب، و المثل لهم أخ و كفؤ، و
الصغير لهم ابن، و جميع الخلق لهم عائلة، يتفقدون حوائجهم، إن أطاعوا رأوا الحق
موفقهم في طاعتهم إياه، و إن عصوا سارعوا بالتوبة و الحياء من اللّه، و لاموا
نفوسهم على ما صدر منهم، و لا يهربون في معاصيهم إلى القضاء و القدر، فإنه سوء أدب
مع اللّه، هينون لينون، ذوو مقة[1]، رحماء
بينهم تراهم ركعا سجدا، في نظرهم رحمة لعباد اللّه كأنهم يبكون، الهمّ عليهم أغلب
من الفرح، لما يعطيه موطن التكليف، فمثل هؤلاء هم الذين يقتدى بهم و يجب احترامهم،
و هم الذين إذا رؤوا ذكر اللّه.
و طائفة أخرى من الشيوخ أصحاب أحوال، عندهم تبديد، ليس لهم في الظاهر
ذلك التحفظ، تسلم لهم أحوالهم، و لا يصحبون، و لو ظهر عليهم من خرق العوائد ما عسى
أن يظهر، لا يعول عليه مع وجود سوء أدب مع الشرع، فإنه لا طريق لنا إلا ما