القرآن
كالعلم بالبلدان و الحوادث الكبار و الوقائع العظام و الكتب المشهورة و أشعار
العرب المسطورة. فإنّ العناية اشتدّت و الدواعي توفّرت على نقله و حراسته، و بلغت
إلى حدّ لم يبلغه فيما ذكرناه، لأنّ القرآن معجزة النبوّة و مأخذ العلوم الشرعيّة
و الأحكام الدينيّة.
و
علماء المسلمين قد بلغوا في حفظه و حمايته الغاية، حتّى عرفوا كلّ شيء اختلف فيه
من إعرابه و قراءته و حروفه و آياته، فكيف يجوز أن يكون مغيّرا و منقوصا، مع
العناية الصادقة و الضبط الشديد!
و
قال أيضا: إنّ العلم بتفصيل القرآن و أبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته، و جرى
ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنّفة، ككتاب سيبويه و المزني. فإنّ أهل
العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلهما ما يعلمونه من جملتهما، حتّى لو أنّ مدخلا
أدخل في كتاب سيبويه بابا في النحو ليس من الكتاب لعرف و ميّز و علم أنّه ملحق و
ليس من أصل الكتاب. و كذلك القول في كتاب المزني. و معلوم أنّ العناية بنقل القرآن
و ضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه و دواوين الشعراء.
و
ذكر أخيرا: أنّ من خالف في ذلك من الإمامية و الحشوية لا يعتدّ بخلافهم، فإنّ الخلاف
في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنّوا صحّتها، لا يرجع
بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته.[1]
4-
شيخ الطائفة، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460)
يقول-
في مقدّمة تفسيره الأثري الخالد «التبيان»-: و أمّا الكلام في زيادته و نقصانه
فممّا لا يليق بهذا الكتاب المقصود منه العلم بمعاني القرآن، لأنّ الزيادة منه
مجمع على بطلانها و النقصان منه، فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه، و هو
الأليق بالصحيح من مذهبنا.
و
هو الذي نصره المرتضى، و هو الظاهر في الروايات. غير أنّه رويت روايات كثيرة
[1] - مجمع البيان، ج 1، ص 15 ضمن الفنّ الخامس. و
راجع: الذخيرة في علم الكلام للشريف المرتضى، ص 361- 364، تحقيق السيد أحمد
الحسيني.