و
بعد، فإنّ نسبة التحريف إلى كتاب اللّه العزيز الحميد نسبة ظالمة تأباه طبيعة نصّ
الوحي المضمون بقاؤه و سلامته عبر الخلود. قال تعالى: «إِنَّا
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ».[1]
و
هي نسبة عمياء و في نفس الوقت قديمة يرجع عهدها إلى عصر اختلاف أصحاب المصاحف
الاولى، حيث التنافس العارم في ثبت نصّه و في هجاء قراءته، كلّ فريق يرى الصحيح
فيما عنده من هجاء و قراءة، و الخطأ ما عند الآخرين.
و
هكذا لمّا توحّدت المصاحف على عهد عثمان، كان ذلك على يد جماعة كانت تعوزهم كفاءة
هذا الأمر الخطير، و من ثمّ وقعت مخالفات في رسم الخطّ، و اختلاف في نسخ المصاحف
مع المصحف الامّ المحتفظ به في نفس المدينة، على ما أسلفنا بيانه.[2]
و
كان من الصحابة و بعض التابعين- خلال هذا الاختلاف- من ينتقد نسخ المصاحف و هجاء
القراءات آنذاك، و كانوا كثرة كابن مسعود و عائشة و ابن عباس و أضرابهم و من مشى
على شاكلتهم من التابعين. و بقيت من ذلك التناوش اللّسني روايات و حكايات أولعت
الحشوية بنقلها و ضبطها و تدوينها في أمّهات الجوامع الحديثية، ممّا أوجب فيما بعد
مشكلة احتمال التحريف في نصّ القرآن الكريم.
و
الذي أثار من ذلك العجاج، و عمل في ترويج تلكم الأباطيل، هي تلكم النغمات