الاستضاءة
من أنوار عهد الرسالة الفائضة بالخير و البركات، فاستعاضوا عنها بالمثول لدى أكابر
الصحابة و العكوف على أعتابهم المقدّسة، يستفيدون من علومهم و يستضيئون بنور
هدايتهم، و الذي هو امتداد لنور الرسالة الذي أشرق الأرض بأرجائها، فكان حتما أن
يدوم و يتداوم مع الخلود.
كان
أعيان الصحابة كثرة منتشرين في البلاد كنجوم السماء، مصابيح الدجى و أعلام الهدى،
أينما حلّوا أو ارتحلوا من بقاع الأرض، و بذلك ازدهرت معالم الدين و انتشرت تعاليم
الإسلام و شاع و ذاع مفاهيم الكتاب و السنّة القويمة بين العباد و في مختلف
البلاد.
مدارس
التفسير
و
حيثما حلّ أو ارتحل صحابي جليل من بلد إسلامي كبير، كان قد شيّد فيه مدرسة قرآنيّة
واسعة الرحب، بعيدة الأرجاء، يبثّ بها معالم الكتاب و السّنّة و يقصدها الروّاد من
كلّ صوب. و قد اشتهرت من هذه المدارس- حسب شهرة مؤسّسيها- خمس:
1-
مدرسة المدينة: كانت أوسع المدارس التفسيريّة لدرس القرآن و تعليمه و تعلّمه،
تأسّست على يد الصادع بالرسالة، و فيها علّم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
أصحابه القرآن و تلاوته و تفسيره و التفقّه فيه. كما علّمهم شرائع الدين في أصولها
و فروعها. فكانت مدرسة واسعة و جامعة شاملة لجميع أبعاد الشريعة في مبانيها و
مراميها الواسعة الأرجاء. و هكذا ربّاهم فأحسن تربيتهم علما و عملا ليصبحوا قدوة
للأمّة على مدى الأحقاب.
و
هكذا قامت الصحابة بتعليم و تربية الناشئة من طلّاب العلم و روّاد الفضيلة ممّن
قصدوا معهد الرسالة الطيبة مدينة الرسول.
و
كان جلّ الصحابة- و على رأسهم زعيم أهل البيت الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام-
هم المتصدّين لإدارة هذا المعهد العلمي الفسيح. و سنذكر أنّ هذه المدرسة تداومت مع
الأيّام و ازدهرت على يد الأئمة من أهل البيت و لا سيّما على عهد الإمامين الباقر
و الصادق عليهما السّلام.
2-
مدرسة مكّة: أقامها الصحابي الجليل عبد اللّه بن عبّاس، يوم ارتحل إليها عام
الأربعين من الهجرة، حيث غادر البصرة و قدم الحجاز، بعد استشهاد الإمام أمير
المؤمنين عليه السّلام. و قد تخرّج من هذه المدرسة أكبر رجالات العلم في العالم
الإسلامي حينذاك، و كان لهذه المدرسة و لمن تخرّج