فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يقاتل أحدا قد تنحّى عنه و
اعتزله حتّى نزلت عليه سورة براءة و أمره اللّه بقتل المشركين من اعتزله و من لم
يعتزله إلّا الّذين قد كان عاهدهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم فتح مكّة
إلى مدّة، منهم صفوان ابن اميّة و سهيل بن عمرو، فقال اللّه عزّ و جلّ: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ* فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثمّ يقتلون حيثما وجدوا، فهذه أشهر السياحة: عشرون من ذي الحجّة و
محرّم و صفر و شهر ربيع الأوّل و عشرة من شهر ربيع الآخر ... الحديث[2].
فالمعتبرة- كما ترى- تصرّح بأنّ المستثنى هم المشركون الّذين قد
عاهدهم الرسول صلّى اللّه عليه و آله يوم فتح مكّة و بأنّ الأشهر الحرم هي أشهر
السياحة، و ذلك انها ذكرت أشهر السياحة أوّلا و حكمت بمقتضى «ثمّ» على أنّ
المشركين و يقتلون بعدها حيثما وجدوا، و واضح أنّ هذا القتل هو ما نصّ عليه الكتاب
الكريم بقوله تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ
الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ
احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا فالمعتبرة كالنصّ في أنّ
الأشهر الحرم هي تلك الأربعة الأشهر و هي عشرون من ذي الحجّة إلى عشرة من شهر ربيع
الآخر من تلك السنة سنة نزول سورة البراءة.
أقول: و في المعتبرة نكتة يجب التنبّه إليها و هي أنّ لفظة «يوم فتح
مكّة» من سهو القلم أو سهو لسان الراوي فإنّ معاهدته المذكورة كانت يوم الحديبية و
هو كان في سنة الستّ من الهجرة كما يستفاد ممّا ذكره الطبرسي في مجمع البيان[3].