عادت الاملاك الى مستحقيها، ثم جلس لها من
بعده الهادي ثم الرشيد ثم المأمون، و آخر من جلس لها المهتدي، ثم احتجب الخلفاء
لتظاهر الترك و غيرهم عليهم و دفعوا امر المظالم الى وزرائهم.
و لما افضى ملك الشام الى الملك العادل[1]
نور الدين محمود بن زنكي[2] رحمه
اللّه ابتنى[3] له دارا
في قلعة دمشق و سماها دار العدل فكان يجلس فيها يتصفح قصص المظلومين و يفصل بين[4] المتنازعين، و لديه[5] الفقهاء و ائمة الدين فيرجع اليهم
ما اشكل عليه من امور الشرع[6] و يبت[7] القضايا و يفصل كل ما انتهى إليه
في ذلك اليوم، و جعل هذا سنة في جميع مدائن الشام.
و حدثني الفقيه ابو طاهر ابراهيم بن الحسين بن[8]
الحصيني الحموي قال:
كنت عبد الملك العادل محمود بن زنكي في دار العدل بدمشق[9] و قد[10]
اخرج
[1] - انظر: حكايات و مآثر عن عدل نور الدين زنكي،
البداية و النهاية 12/ 279- 280.
[2] - نور الدين محمود زنكي: هو الملك العادل نور الدين
أبو القاسم محمود بن آقسنقر التركي السلجوقي قسيم الدولة عماد الدين ابي سعيد زنكي
الملقب بالشهيد، ولد بحلب عام 551 ه و نشأ في بيت والده نشأة ارستقراطية يتعلم
الرمي و الفروسية. تولى الملك بعد أبيه و كان شهما شجاعا مؤمنا تقيا حسن الصورة
مهيبا متواضعا، عقد مجالس العدل و ابتنى دارا لاستماع الحديث و آخر للعدل كما اهتم
بالعمران، فعمر المدن و البيمارستانات و الخانات و الابراج. و واظب على العبادة، و
كان سنيا حنفي المذهب، تقرب من العلماء و الفقهاء و انعم عليهم و كان لا يرد لهم
قولا. ظل يحكم بالعدل و يقم الحدود و يواجه الفرنجة إلى أن مات بداء الخوانيق عن
ثمان و خمسين سنة و ذلك عام 569 ه انظر: البداية و النهاية 12/ 277- 284. الكامل
في التاريخ 9/ 124- 125.