اسم الکتاب : الموجز فى تاريخ فلسطين السياسى المؤلف : شوفاني، الياس الجزء : 1 صفحة : 62
لخدمة أهداف سياسية معاصرة، و تحديدا لمصلحة
الصهيونية السياسية و مشروعها الاستيطاني في فلسطين، و خصوصا أن العصر الكنعاني في
تاريخ فلسطين يتزامن مع ما يسمى عصر الآباء في التاريخ اليهودي. و باعتقاد أصحاب
هذه النزعة أن التمويه على هوية الكنعانيين، و بالتالي إبراز علاقة البلد بمن
يسمون أبناء إسرائيل، يخدم الادعاء الصهيوني بالحق التاريخي لليهود في فلسطين. غير
أن موجة هذه الطروحات أخذت تنحسر في العقود القليلة الأخيرة.
و في سياق النشاط الصهيوني لتبرير الاستيطان اليهودي الحديث في
فلسطين، جرى توظيف ما يسمى الدراسات التوراتية، بل علم الآثار التوراتي. و قد قام
مؤخرا عدد من الباحثين المرموقين بنزع الشرعية العلمية عن تلك الدراسات، و نفي
الأساس الموضوعي لذلك العلم. و يزداد الميل بين المختصين في تاريخ الشرق الأدنى
القديم إلى اعتبار الكنعانيين جزءا من الأرومة العمورية التي تبلورت شخصيتها في بلاد
الشام، خلال الألف الثالث قبل الميلاد، و تمددت شرقا في بلاد الرافدين، إذ أقامت
هناك إمبراطورية بابل القوية، أيام حمورابي، كما أسست ممالك متعددة في الجزء
الغربي من الهلال الخصيب، و إليها ينتمي الهكسوس الذين وصلوا مصر.
و تشير الدلائل المتوفرة، و من مصادر متعددة، مكتوبة و سواها، و من
العراق و سورية و مصر، إلى أنه أكان ذلك قبل قيام إمبراطورية الهكسوس في مصر، أو
في فترة ازدهارها، أو حتى بعد سقوطها، ظلت فلسطين تشكل وحدة حضارية مع محيطها،
مادّيا و روحيّا. فحكم الهكسوس في مصر لم يكن ظاهرة مقطوعة الجذور عن بلاد الشام،
و لا انتهت بطردهم من الدلتا و ملاحقتهم إلى جنوب فلسطين.
و الواضح أن نهاية حكم الهكسوس في مصر لم تؤد إلى انقلاب في النظام
السياسي- الاجتماعي في المناطق التي كانت تحت حكمهم في فلسطين و سورية.
و الواقع، و كما يظهر من التنقيبات الأثرية، فإن فلسطين لم تشهد في
تاريخها السابق ازدهارا للمدن المسوّرة شبيها بهذا العصر- النصف الأول من الألف
الثاني قبل الميلاد. و قد أقيمت هذه المدن في مواقع جديدة، أو على أنقاض مدن أكثر
قدما، معروفة من الألف الثالث قبل الميلاد. و هي، باستثناء حاصور (تل القدح) في
شمال فلسطين، التي تبلغ مساحة التل الذي احتلته قرابة 700 دونم، أقرب إلى القلاع
منها إلى المدن، و خصوصا الكبيرة منها في شمال سورية: ماري و كركميش و يمحاض و
قطنا و أوغاريت. غير أن عددها كبير، و هي تنتشر في جميع أنحاء البلد- في الساحل،
كما في الجبل، و غور الأردن.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، تمّ الكشف عن مدن محصنة من هذا العصر في
اسم الکتاب : الموجز فى تاريخ فلسطين السياسى المؤلف : شوفاني، الياس الجزء : 1 صفحة : 62