و التمييز بين ما يبعث الهوى على متابعته و
بين ما يحضّ العقل على موافقته، غامض لا يدركه إلّا من أنعم النظر و أدام السّهر،
و أطال الفكر.
و لذلك احتيج إلى المشورة. فإنّ المستشار سليم من الهوى. بعيد من
الغرض الذي يمنع صاحبه من العمل بإيثار النهى. و قد قيل[1]:
و
آفة العقل الهوى فمن علا
على
هواه عقله فقد نجا
و كان وزيره ذا رأي أصيل. و عقل يستميل و لا يميل. قد خصّ بفطرة
سليمة و فكرة مستقيمة. و ظن تحسبه لصدقه نقيبة[2].
و إخلاص في المحبة و تحقق بالأمانة. و كان مع ذلك لا يخلي الملك تبصيره مواقع
رشده. و تسديده إلى الصواب في رأيه و قصده. و لا يغفل إلقاء النصيحة في صدره و
ورده. و الملك ذلك مطرّح لآرائه. معرض عن إرشاده إلى النصائح و دعائه. متضجر من
دخوله عليه، متبرم بلقائه.
إلى أن صار الوزير لا يتجاسر على حمل نصيحة. و لا يقدر على التنبيه
على مصلحة صريحة. و هو مع ذلك ليمن نقيبته و صفاء عقيدته. يلتمس حيلة يستخلص بها
الملك من تلك الحبائل[3].
و يرتاد وسيلة يتوصّل بها إلى إطلاعه على ما يتوقعه من الغوائل[4]:
و كدّه في ذلك يكدي. و جدّه لا يجدي.
[1] من مقصورة ابن دريد الشهيرة و التي أنشأها في مدح
الأميرين ابني ميكال و مطلعها: