و قصّة موسى
عليه السّلام و إن كانت تشبه في جانب منها قصّة عيسى عليه السّلام؛ لكثرة الآيات و
المعاجز و الأدلة، إلّا أنّ الرفض العام كان من فرعون و قومه الذين يمثلون قوما و
شعبا آخر لا ينتمي إليه موسى عليه السّلام، و هذا بخلاف قصّة عيسى عليه السّلام
التي هي أوضح في بيان هذه الحقيقة لانتماء عيسى إلى بني إسرائيل.
و
هذا هو هدف الإشارة إلى القصّة في سورة (الزخرف) حسب الظاهر، و اللّه أعلم:
وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ* وَ
قالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ
قَوْمٌ خَصِمُونَ[1].
كما
أنّ هذا هو الهدف الثانوي للإشارة إلى القصّة في سورة (الصف):
...
فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ[2].
الملاحظة
الثانية- النتائج و الآثار:
لقد
ذكرنا في القصّة أنّ عيسى عليه السّلام لم يحصل في دعوته للإسرائيليين إلّا التكذيب،
باستثناء استجابة الحواريين لدعوته فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى
مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ
[2] - الصف: 6. ذكر السيد قطب في تفسيره( في ظلال
القرآن) هدفا رابعا، خلاصته: أنّ قصّة عيسى عليه السّلام تمثل قصّة ولادة فريدة في
تاريخ الإنسانية، تصور للإنسان كيفية الخلق الأوّل له.
و الإنسان لم يشهد هذا الخلق الأوّل
فتكون ولادة عيسى بهذا الشكل شاهدا آخر على هذه الحقيقة، و لكن ولادة عيسى و إن
كانت فريدة في التاريخ، و هي شاهد على حقيقة خلق الإنسان إلّا أنّ خلقه لم يتم
كخلق آدم الذي خلقه اللّه من تراب و بدون أب و أم، كما أنّ نفس الولادة لها هذا
المدلول. و أمّا القصّة فهي إنّما تذكر بهذه الولادة، فلا يكون لها دور أكثر من
قصّة آدم نفسه، و إخبار اللّه عن خلق الإنسان من صلصال من حمأ مسنون.