الثاني: في
اتخاذهم الرهبان أربابا من دون اللّه، يقدسونهم، و يبذلون لهم الأموال، و يعتقدون
فيهم أنّهم يعاقبون و يثيبون، و أنّه لا يغفر لهم إلّا بواسطتهم، و بذلك تأثروا
بسلوك الأحبار المنحرفين من اليهود، و القياصرة من ملوك الرومان.
[2] - آل عمران: 64. جاءت هذه الآية في سياق آية
المباهلة، و هي قوله تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ
الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ
نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ
اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ، و قد ورد في تفسير هذه الآية: أنّها( قيل نزلت الآيات
في وفد نجران: العاقب، و السيد، و من معهما، قالوا لرسول اللّه: هل رأيت ولدا من
غير ذكر؟ فنزل إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ... الآيات،
فقرأها عليهم.
عن ابن عباس و قتادة و الحسن،
فلمّا دعاهم رسول اللّه إلى المباهلة استنظروه إلى صبيحة غد من يومهم ذلك، فلمّا
رجعوا إلى رحالهم قال لهم الأسقف: انظروا محمّدا في غد، فإن غدا بولده و أهله
فاحذروا مباهلته، و إن غدا بأصحابه فباهلوه، فإنّه على غير شيء، فلمّا كان الغد
جاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم آخذا بيد علي بن أبي طالب عليه السّلام، و
الحسن عليه السّلام و الحسين عليه السّلام بين يديه يمشيان، و فاطمة عليها السّلام
تمشي خلفه، و خرج النصارى يقدمهم أسقفهم، فلمّا رأى النبي صلّى اللّه عليه و آله و
سلّم قد أقبل بمن معه سأل عنهم، فقيل له: هذا ابن عمه، و زوج ابنته، و أحب الخلق
إليه، و هذان ابنا بنته من علي عليه السّلام، و هذه الجارية بنته فاطمة أعز الناس
عليه، و أقربهم إلى قلبه، و تقدّم رسول اللّه فجثا على ركبتيه، قال أبو حارثة
الأسقف: جثى و اللّه كما جثا الأنبياء للمباهلة، فكعّ و لم يقدم على المباهلة،
فقال السيد: ادن يا أبا حارثة للمباهلة، فقال: لا، إنّي لأرى رجلا جريئا على
المباهلة، و أنا أخاف أن يكون صادقا، و لئن كان صادقا لم يحل- و اللّه- علينا
الحول و في الدنيا نصراني يطعم الماء، فقال الأسقف: يا أبا القاسم إنّا لا نباهلك،
و لكن نصالحك، فصالحنا على ما ينهض به، فصالحهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
و سلّم على ألفي حلة من حلل الأواقي، قسمة كل حلة أربعون درهما، فما زاد أو نقص
فعلى حساب ذلك، و على عارية: ثلاثين درعا، و ثلاثين رمحا، و ثلاثين فرسا، إن كان
باليمن كيد، و رسول اللّه ضامن حتى يؤدّيها، و كتب لهم بذلك كتابا.
و روي أن الاسقف قال لهم: إنّي
لأرى وجوها لو سألوا اللّه يزيل جبلا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا، و لا
يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. و قال النبي:« و الذي نفسي بيده لو لا
عنوني لمسخوا قردة و خنازير، و لاضطرم الوادي عليهم نارا». و لمّا حال الحول على
النصارى حتى يهلكوا كلّهم قالوا: فلمّا رجع وفد نجران لم يلبث السيد و العاقب ألّا
يسيرا حتى رجعا إلى النبي، و أهدى العاقب له: حلة، و عصا، و قدحا، و نعلين و
أسلما. مجمع البيان 1: 451- 452.
و في ختام حديث القرآن عن النصارى
و أهل الكتاب من هذه السورة و الآية يذكر القرآن الكريم المؤمن منهم بقوله تعالى:
لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ
آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ* يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ
الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ
يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ أُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَ ما يَفْعَلُوا
مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ. آل عمران:
113- 115.