4-
إنّ المسيحيين اختلفوا بعد ذلك في مجال السلوك الاجتماعي و الأخلاقي؛ إذ أشار
القرآن الكريم إلى نوعين من هذا الاختلاف:
الأوّل:
هو الاختلاف في الرهبانية التي كتبها اللّه- تعالى- عليهم: من الزهد في الدنيا، و
الإعراض عن زخارفها و شهواتها المحرمة إلى الابتداع فيها؛ إذ تحوّلت إلى الانعزال
عن المجتمع الإنساني، و التخلي عن المسئوليات، و تحريم ما أحل اللّه- تعالى- من
الزواج و المعاشرة.
[1] - الحديد: 27. ورد في تفسر هذه الآية الكريمة عن
ابن مسعود قال: كنت رديف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على حمار،
فقال:« يا ابن أمّ عبد هل تدري من أين أحدثت بنو إسرائيل الرهبانية؟» فقلت: اللّه
و رسوله أعلم فقال:« ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى يعملون بمعاصي اللّه، فغضب أهل
الإيمان، فقاتلوهم، فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات، فلم يبق منهم إلّا القليل فقالوا:
إن ظهرنا لهؤلاء أفتونا، و لم يبق للدين أحد يدعو إليه، فتعالوا نتفرق في الأرض
إلى أن يبعث اللّه النبي الذي وعدنا به عيسى عليه السّلام، يعنون محمّدا صلّى
اللّه عليه و آله و سلّم، فتفرقوا في غيران الجبال، و أحدثوا رهبانية، فمنهم من
تمسك بدينه، و منهم من كفر» ثم تلا هذه الآية:
وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إلى آخرها، ثمّ قال:« يا ابن أمّ
عبد أ تدري ما رهبانية امّتي؟» قلت: اللّه و رسوله أعلم قال:« الهجرة، و الجهاد، و
الصلاة، و الصوم، و الحج، و العمرة». مجمع البيان 5: 243.