زكريا حتى
إذا طهرت عادت إلى المسجد، فبينما هي في (مشرقه) لها في ناحية الدار و قد ضربت
بينها و بين أهلها حجابا تتستر به للغسل، إذا أرسل اللّه جبرئيل عليه السّلام[1]،
فدخل عليها، فتمثل لها في حواسها أنّه شاب سويّ الخلق، فكان دخول هذا البشر السوي
عليها في خلوتها مفاجأة لامرأة عذراء منقطعة إلى اللّه تعالى هزّتها من الأعماق،
فقالت: ... إِنِّي أَعُوذُ
بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا[2] حيث تستنجد باللّه، و تحاول أن تثير في هذا
الغريب مشاعر التقوى الذي تمنعه من ارتكاب المعصية و الانسياق مع الشهوات.
فكان
جوابه إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا[3]
يبشرك اللّه بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم، و سوف يكون وجيها في الدنيا و
الآخرة و من المقربين، فتسأله مستنكرة مريم في صراحة المرأة التي تريد أن تدافع عن
نفسها و هي في حالة العجب و الاستغراب من فكرة هذا الرسول الإلهي؛ ذلك لأنّ الغلام
في نظرها لا يولد إلّا من مس البشر المشروع، و هو الزواج، أو البغيّ غير المشروع
قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُ
بَغِيًّا[4] و
هنا
[1] - يذكر العلّامة الطباطبائي قرائن من الآيات
القرآنية على أنّ المقصود من الروح هنا هو:
جبرئيل، و إنّه ظهر فى حواس مريم
عليها السّلام في صورة البشر؛ إذ إنّ القرآن يعبّر عن جبرئيل بالروح المرسل من
اللّه تعالى. راجع الميزان 14: 35، و نسبة الحديث إلى الملائكة في سورة آل عمران
من باب نسبة قول الواحد إلى الجماعة، و هو اسلوب شائع و متبع في القرآن.