أمّا
النثر فحدِّث ولا حرج، حيث كان رحمه الله ذا بيان ساحر جذّاب وأُسلوب مشرق وهّاج،
يرسل الكلام في تعبير قوي ولسان ذلق وفصاحة نادرة، حتّى لتنقضي الساعات الطويلة
على السامع وهو لا يحسبها سوى دقائق قصيرة، وطالما كان يرقى المنابر في شتّى
المناسبات، فيملك القلوب بسحر بيانه، ويستولي على العقول بحلاوة منطقه. وكان يصدح
بخطاباته الرشيقة في أماكن شتّى، كالنجف، وبغداد، والبصرة، والحلّة، والديوانية،
والناصرية، ودمشق، وبيروت، وصيدا، وحيفا، وصور، وجنين، والقدس، وهمدان، وشيراز،
وخرّم شهر، وعبّادان، وغيرها.
فمن
جملة كلامه في مقدّمة كتابه هذا: (ليس الشرف إلّاأن يكدح الإنسان في معركة الحياة
حتّى يكتسب امتلاك مال أو ملكة كمال أيّاً ما كان، علماً أو صناعةً، خطابةً أو
شجاعةً، أو غير ذلك من مادّيات الشرف وطلائعه، لا ما هو الشرف نفسه، ثمّ يخدم
المرء بمساعيه تلك ومكتسباته أُمّته وملّته خدمةً تعود بالهناء والراحة عليهم، أو
دفع شيء من الشرور عنهم.
الشرف:
حفظ الاستقلال، وتنشيط الأفكار، وتنمية غرس المعارف، والذبّ والمحاماة عن نواميس
الدين وأُصول السعادة. والشريف من يخدم أُمّته
[1] هذا البيت الأخير تضمين لبيت أبي الطيب المتنبّي،
راجع ديوانه 2: 250.