وقد
ذكروا: أنّ الإنسان مادام إنساناً فلا تتمّ له السعادة إلّابتحصيل الحالين جميعاً،
وهما: الفضائل الجسمانية، والفضائل الروحانية[1].
نعم،
فإنّ العناية الأُولى حيث جعلت الكمال في الإنسان تدريجي الحصول وأنشأت النفس
الناطقة على نعت أنّها جسمانية الحدوث روحانية البقاء، لا جرم كان البلوغ إلى
سعادتها الروحية موقوفاً على مبادٍ كثيرة وطيّ بوادٍ فسيحة لا يتيسّر للإنسان
وصلها وقطعها ونشرها وطيّها إلّاباستكمال أدواته وصحّة آلاته وسلامة مركبه وسائر
مقدّماته.
ولا
ينافي ذلك أنّ السائر- بعد الوصول إلى الغاية والنزول في المنزل- ينبذ تلك الأدوات
ويستغني عنها ولا تكون من سعادته هناك في شيء، فإنّ تيسّر الطريق إلى السعادة من
أعظم السعادة، وهي ضرورية في حصولها وإن لم تكن من الحقيقية بصفة دائمية.
وقد
ذكروا: أنّ أوّل مراتب السعادة أن يصرف الإنسان إراداته ومحاولاته إلى مصالحه في
العالم المحسوس من أُمور النفس والبدن وما يتّصل بهما ويشترك فيهما من الكيوف
النفسية والنعوت الجسدية[2].
وهو
في هذه المرتبة لا يخلو من التلبّس بالمحسوس من المادّيات وعلائق الأهواء
والشهوات، ولكن يلزم أن يكون ذلك على قدر معتدل.
وعلى
مثل هذا اطّردوا الكلام في باقي المراتب، فعرّفوا الغايات
[1] انظر: مبادئ الموجودات 72 و 78 و 82 و 85 و 86،
شرح المقاصد 5: 124، الحكمة المتعالية 9: 124- 127 و 130.