مقتضيات
طباعه ونواميس كيانه وضروريات ذاته التي لا يمكنه المحيص عنها ولا التفصّي منها،
وقد قالوا: الذاتي لا يتخلّف ولا يختلف.
وكيف
العدل! وقد جعل هذا شقيّاً وهذا سعيداً، «وقبض قبضة وقال: للنار ولا أُبالي، وقبض
أُخرى، وقال: للجنّة ولا أُبالي»[1].
فأين
عدم الظلم الذي ذكره (جلّ شأنه) لذاته المقدّسة في قوله: «وَ ما
أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ»[2]،
«وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ»[3]؟!
فنقول:
هوّن ما شقّ عليك واستمع لما نلقيه إليك، فإنّ سرّ القدر وإن كان لا ينبغي بل لا
يجوز الخوض فيه، ولكنّا نرى أنّ ذلك مصروف إلى الضعفة والعجّز من الناس، فإنّ خوض
هؤلاء فيه- نظراً إلى قصورهم- ينجرّ إلى ضلالهم وارتباكهم وتردّيهم وهلاكهم.
والشريعة
المقدّسة الإسلامية ما حجرت كحجر غيرها على العقول، ولا سدّت كسواها على الأفكار
في أيّ مسألة كانت وأيّ نظرية فُرضت.
نعم،
هناك عويصات وملتويات لا يجد العقل لنفسه سبيلًا إليها ويعترف هو نفسه بالعجز
عنها، لا أنّ أحداً صدّه أو منعه دونها.
فالعقل
في هذه الشريعة المحمّدية له تمام الاختيار وأحرى مبالغ الحرّية. أمّا هذه النظرية
الدقيقة فنتكلّم فيها يسيراً على حسب ما يتّسع له هذا الظرف وتحتمله البيئة، ولا
نُحمّل الظروف فوق وسعها، ولا أنفسنا فوق طاقتها.
وعليه،
فقبل كلّ شيء يجدر بك أن تعلم أنّ استعدادات البشر وإن اختلفت