متصلٌ واحد
ممتدٌّ، طرفه الأعلى متعلّقٌ بالمجرّدات والأسفل متعلقٌ بالمادّيات، ولذلك الواحد
المتّصل شؤون ومراتب وآثار وخواصٌّ، نعبّر عن كلّ واحدة من تلك المراتب باعتبار
أثرٍ من تلك الآثار بعبارة خاصّة وباسم غير اسم الآخر.
فهذا
سمع، وهذا بصر، وهذه هاضمة، وهذه دافعة، وهذه مخيِّلة، وتلك حافظة، وهكذا حتّى
ينتهي الأمر إلى العاقلة التي هي منتهى المراتب وآخر منازل النفس.
وطريق
السعادة التي ينبعث الإنسان على تحصيلها بقوّته العاقلة إنّما هو العلم والعمل،
وإلّا كان كالظامئ الذي تصوّر الماء ولم يشربه.
والحاجة
إلى العقل ظاهرة في كلا المقامين؛ إذ هو المميّز لما به السعادة، كما أنّه هو
الباعث للنفس وقواها إلى تحصيله.
ألا
تراه كيف يسوقها إلى أبغض الأشياء إليها وأشدّ الأُمور منافرةً لها، وهو الجوع
والظمأ، وتحمّل المشقّة والأذى، بل إلقاء النفس في المهالك واستقبال السيوف وشرب
الحتوف تحت السنابك[1]، حيث يحرز
لها به السعادة ونيل مقام
[1] السُنبُك: مقدّم الحافر. فارسي معرّب، قد تكلّمت
به العرب قديماً.( جمهرة اللغة 2: 1125).