موقوف على
معرفة الحقوق. وهي كثيرة تكاد أن لا تحصى ولا تحصر، ولكنّها- على كثرتها واختلافها
وتباين أنواعها وأصنافها- تندرج كلّية في ثلاثة أُصول، ولا يخرج شيء من الحقوق
عنها بضرورة العقول:
الأوّل:
الحقوق التي بينه وبين نفسه.
والأصلان
الآخران يتفرّعان عليه كما عرفت، وهو أصل برأسه.
الثاني:
ما بينه وبين الخالق من الحقوق.
الثالث:
ما بينه وبين المخلوق.
وقد
أشار إلى ضابطة العدل وكلّيته في كلّ واحد منها ذلك العالم الربّاني والمعلّم
بالتعاليم الإلهية، فما المعلّم الأوّل والثاني؟!
وكلماته
في ضابطة كلّ واحد منها كثيرة يضيق المقام عن حصرها ويقصر عن أقلّها، فكيف
بأكثرها، ولكن نقنع في كلّ أصل بواحدة ممّا فيه من كلماته العديدة؛ إذ تغنيك من
البحر الفريدة.
فضابطة
العدل في الأوّل: ما ذكره عليه السلام في إحدى خطب (النهج) يصف بها العبد الذي
أعانه اللَّه على نفسه وجعله من المقرّبين في حظيرة قدسه الذي: «قد ألزم نفسه
العدل، فكان أوّل عدله نفي الهوى عن نفسه، يصف الحقّ ويعمل به، لا يدع للخير غاية
إلّاأمّها، ولا مظنّةً إلّاقصدها، فهو مصباح ظلمات، كشّاف عشوات، دفّاع معضلات،
دليل فلوات. يقول فيفهم، ويسكت فيسلم. قد أخلص للَّهفاستخلصه فهو من معادن دينه،
وأوتاد أرضه»[1].
يقول
أقلّ شيعته: لا يخفى عليك وجه جعله عليه السلام نفي الهوى أوّل العدل في
[1] نهج البلاغة 118- 119. ولكن وردت جمل:( مصباح
ظلمات... أرضه) قبل:( الذي قد ألزم...). وورد بعد:( عشوات) تعبير:( مفتاح مبهمات).