وأمّا نحن-
إلّامن عصم اللَّه- فأشدّ بلائنا وعدواننا ليس إلّاعلى أبناء جنسنا وإخواننا:
وإنّ الذئب يترك لحم ذئب
ويأكل بعضنا بعضاً عياناً!
ثمّ
إذا دبّ هذا الداء العياء في النفوس واستحكم، واستفحل أمره في الطباع واستعظم،
ومضى عليه دور بل أدوار، وشبّ عليه الصغار وربت عليه الكبار، فلا محالة صعب على
المهرة من ناشئة العدل علاجه، وعسر- بعد تمكّنه- إزالته من المكامن، بل تعذّر- ولو
بأدقّ المكائن- استخراجه، ولكن:
وإذا
أُهمل حتّى جرى في أُصول المملكة وفروعها، وأُمهل إلى أن سرى إلى آحادها وجموعها،
ودبّ- والعياذ باللَّه- داء الشقاق من السوق إلى الأعناق، وراج في الأنفاق سوق
الغدر والنفاق، وارتكز في الأعماق والعروق حبّ هضم الحقوق، وتُرك الشعب حتّى
انشعب، وقلب الملك حتّى انقلب، والعقل حتّى اعتقُل واحتجب، فأنا لتلك المملكة نذير
مبين، وعند جهينة الخبر اليقين[2]: أن سوف
تثب عليها الليوث الخوادر[3]،
وتتعقّبها العقبان الكواسر، لا بل تفترسها- والعياذ باللَّه- تلك النسور،
وتختلسها- إلّاإذا حفظ اللَّه- ولو كان عليها ألف
[1] نُسب هذا البيت الشعري لمحمّد بن بشير الرياشي أو
ابن يسير في الأغاني 14: 40.
[2] هذا مثل يضرب للخبر والسؤال عنه، أو للتنبيه إلى
التحقّق من صحّة الأخبار ممّن لديه الخبر الصادق. والمثلورد بصيغة:( عند جفينة
الخبر اليقين).
انظر: جمهرة الأمثال 2: 44- 45،
معجم الأمثال العربية 113 و 137- 138.