وكلّها من
سوء إدارة الآباء فيما يجب مراعاته من عدم الإفراط في الشهوات واستعمال الحرث ووضع
البذر على النواميس الشريفة والطقوس المقدّسة التي وضعتها الشرائع الإلهية
والعناية الكلّية والنطاسيّون من أطبّاء العقول والنفوس والأخلاق والأبدان.
على
أنّ في تلك المصائب والأسقام والعاهات والرزايا من المنافع النوعية والمصالح
العامّة ما لا يغيب عن أوائل العقول، وكفى بتلك واعظاً وزاجراً وعبرة وإنذاراً وإن
قلّ المزدجر والمعتبر، ولكن حقيق بها أن تلين قسوة الإنسان، وتخفّف شدّته، وتدفعه
عن غلوائه في أهوائه، وتكون له أبلغ عظة ومدّكر.
أمّا
الاعتراض: بالموت وافتراضه شرّاً، بل من أعظم الشرور، والسؤال:
بأنّه
لماذا لم يبق الإنسان مخلّداً في الدنيا ..
فهو
كالاعتراض: بأنّه لماذا لم تبق الأجنّة في أرحام أُمّهاتها وكان أقرّ لها وأهنى،
فلأيّ شيء أُخرجت إلى الدنيا وهي دار العناء؟! أفليس المكث في المشيمة خيراً من
هذه الحياة الذميمة؟!
تدبّره
جيّداً، فإنّه رمز لطيف وسرّ شريف.
وبمثل
هذا الذي قلناه في البحث عن أسباب هذه الشرور يتّضح القول في:
الدائرة
الثالثة: وهي الشرور الأدبية.
وهذه
هي الطامة الكبرى والبلية العظمى في النوع البشري، وعليه ومنه وإليه!
وهل
يجد الباحث المنقّب واللبيب المتدبّر منشأً لهذه الشرور سوى إطلاق النفوس وتسريحها
في مراعي شهواتها، وعدم اعتقالها بشكيمة العقل وانقيادها بمقادة الشرائع، وجماحها
عن السير على سنن الآداب المقدّسة واتّباع القادة؟!