ولو
أنّ جميع العالم إلى آخر الأبد صلّوا وسلّموا عليه بكرة وعشيّاً وسبّحوا وقدّسوا
بحمده غدوّاً ورواحاً لم تصل إليه ذرّة من النفع بكلّ ذلك، وكان هو واستبداله
بلعنه وذمّه سواء، فهل تحمّله تلك المشاقّ إلّاالحمق والخور وضعف الرأي وسوء
التدبّر وعدم النظر لنفسه؟!
أنت
حاكم نفسك أمام وجدانك، فإن صادقتني على هذه الجملة سرنا معاً في طلب الدين، وإلّا
فعرّفني بما عندك وما تحصّل لديك من نتائج الفكر حتّى أشطب على هذه الكلمات إن
وجدته حقّاً، وهيهات!
ثمّ
بعد، فإنّ الدين من أرأف المسلّين وأشفق الواعظين وأبلغ المعزّين لهذا الإنسان
البائس المحفوف ظماء حياته بكلّ عناء وشقاء ومصيبة وبلاء مهما ساعدته العناية
وتمهدّت له الأسباب وتربّع على عرش الملك، فضلًا عن البائسين والمساكين الذين
يرزحون تحت مجهدات الفقر والفاقة والبؤس والمسكنة.
قل
لي بأبيك الحسّاس (لا الكُييس الهلامي أو المخاطي الحجري!) إذا أُصيب الإنسان-
ملكاً كان أو سوقة- بمصيبة أفقدته أحد أعزّته أو فلذة كبده ومجسّمة روحه، حتّى
تلظّى فؤاده ناراً وطارت نفسه شعاعاً ولم يُغن عنه ماله ولا رجاله، ولقد كان لو
يستطيع لافتداه بكلّ ذلك، قل لي إذا أحسّ بضعفه عند ذلك ووهنه، وشعر بضؤولة قواه
وحوله وتقاصر تعاليه وطوله، وعرف محطّ مركزه من هذا الكون الدهش والمفزع الهائل
الذي تتعاوره في كلّ لحظة عوامل البقاء والفناء وقوّتا الدفع والجذب، فهو يموت
قليلًا قليلًا ويفنى رويداً رويداً ويمشي إلى الفناء من حيث هو في البقاء، فهو: